صفحة جزء
2421 31- النهي أن يخص يوم السبت بصوم

245 \ 2313 - عن عبد الله بن بسر السلمي عن أخته الصماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب أو عود شجرة فليمضغه

قال أبو داود: وهذا حديث منسوخ

وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه. وقال الترمذي: حديث حسن.

هذا آخر كلامه. وقيل: إن الصماء أخت بسر.

وروي هذا الحديث من حديث عبد الله بن بسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن [ ص: 114 ] حديث أبيه بسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن حديث الصماء عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال النسائي: هذه أحاديث مضطربة.


قال ابن القيم رحمه الله: حديث عبد الله بن بسر - هذا - رواه جماعة عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء

ورواه النسائي عن عبد الله بن بسر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه أيضا عن الصماء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذه ثلاثة أوجه.

وقد أشكل هذا الحديث على الناس قديما وحديثا.

فقال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن صيام يوم السبت يفترد به ؟ فقال: أما صيام يوم السبت يفترد به: فقد جاء فيه ذلك الحديث، حديث الصماء، يعني حديث ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم " قال أبو عبد الله: يحيى بن سعيد ينفيه.

أبى أن يحدثني به.

وقد كان سمعه من [ ص: 115 ] ثور.

قال: فسمعته من أبي عاصم.

قال الأثرم: حجة أبي عبد الله في الرخصة في صوم يوم السبت: أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر.

منها: حديث أم سلمة، حين سئلت: " أي الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياما لها ؟ فقالت: السبت والأحد "

ومنها حديث جويرية: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوم الجمعة: أصمت أمس ؟ قالت: لا.

قال: أتريدين أن تصومي غدا ؟ "
فالغد: هو يوم السبت.

وحديث أبي هريرة " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة، إلا بيوم قبله أو يوم بعده " فاليوم الذي بعده: هو يوم السبت.

[ ص: 116 ] وقال: " من صام رمضان وأتبعه بست من شوال " وقد يكون فيها السبت.

وأمر بصيام الأيام البيض، وقد يكون فيها السبت، ومثل هذا كثير

فقد فهم الأثرم من كلام أبي عبد الله أنه توقف عن الأخذ بالحديث، وأنه رخص في صومه، حيث ذكر الحديث الذي يحتج به في الكراهة.

وذكر أن الإمام في علل الحديث يحيى بن سعيد، كان ينفيه، وأبى أن يحدث به، فهذا تضعيف للحديث.

واحتج الأثرم بما ذكر من النصوص المتواترة على صوم يوم السبت،

يبقى أن يقال: يمكن حمل النصوص الدالة على صومه على ما إذا صامه مع غيره.

وحديث النهي على صومه وحده، وعلى هذا تتفق النصوص.

وهذه طريقة جيدة، لولا أن قوله في الحديث " لا تصوموا يوم السبت إلا [ ص: 117 ] فيما افترض عليكم " دليل على المنع من صومه في غير الفرض مفردا، أو مضافا؛ لأن الاستثناء دليل التناول، وهو يقتضي أن النهي عنه يتناول كل صور صومه، إلا صورة الفرض، ولو كان إنما يتناول صورة الإفراد، لقال: لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده، كما قال في الجمعة.

فلما خص الصورة المأذون في صومها بالفرضية علم تناول النهي لما قابلها.

وقد ثبت صوم يوم السبت مع غيره بما تقدم من الأحاديث وغيرها، كقوله في يوم الجمعة " إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده " فدل على أن الحديث غير محفوظ وأنه شاذ.

وقد قال أبو داود قال مالك: هذا كذب.

وذكر بإسناده عن الزهري: أنه كان إذا ذكر له النهي عن صيام يوم السبت، يقول: هذا حديث حمصي.

وعن الأوزاعي قال: ما زلت كاتما له حتى رأيته انتشر، يعني حديث ابن بسر هذا.

وقالت طائفة، منهم أبو داود: هذا حديث منسوخ.

وقالت طائفة، وهم أكثر أصحاب أحمد: محكم، وأخذوا به في كراهة إفراده بالصوم، وأخذوا بسائر الأحاديث في صومه مع ما يليه.

قالوا: وجواب أحمد يدل على هذا التفصيل، فإنه سئل في رواية الأثرم عنه: فأجاب بالحديث.

وقاعدة مذهبه: أنه إذا سئل عن حكم فأجاب فيه بنص يدل عليه أن جوابه بالنص دليل على أنه قائل به؛ لأنه ذكره في معرض الجواب، فهو متضمن للجواب والاستدلال معا.

[ ص: 118 ] قالوا: وأما ما ذكره عن يحيى بن سعيد.

فإنما هو بيان لما وقع من الشبهة في الحديث.

قالوا: وإسناده صحيح.

ورواته غير مجروحين ولا متهمين، وذلك يوجب العمل به، وسائر الأحاديث ليس فيها ما يعارضه؛ لأنها تدل على صومه مضافا، فيحمل النهي على صومه مفردا، كما ثبت في يوم الجمعة.

ونظير هذا الحكم أيضا.

كراهية إفراد رجب بالصوم، وعدم كراهيته موصولا بما قبله أو بعده.

ونظيره أيضا: ما حمل الإمام أحمد عليه حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة في النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان: أنه النهي عن ابتداء الصوم فيه، وأما صومه مع ما قبله من نصفه الأول، فلا يكره.

قالوا: وقد جاء هذا مصرحا به في صوم يوم السبت، ففي مسند الإمام أحمد، من حديث ابن لهيعة: حدثنا موسى بن وردان عن عبيد الأعرج حدثتني جدتي، يعني الصماء " أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السبت، وهو يتغدى.

فقال: تعالي تغدي.

فقالت: إني صائمة.

فقال لها: أصمت أمس ؟ قالت: لا.

قال: كلي، فإن صيام يوم السبت لا لك، ولا عليك "
وهذا - وإن كان في إسناده من لا يحتج به إذا انفرد، - لكن يدل عليه ما [ ص: 119 ] تقدم من الأحاديث.

وعلى هذا: فيكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم " لا تصوموا يوم السبت " أي لا تقصدوا صومه بعينه إلا في الفرض، فإن الرجل يقصد صومه بعينه، بحيث لو لم يجب عليه إلا صوم يوم السبت كمن أسلم ولم يبق من الشهر إلا يوم السبت، فإنه يصومه وحده.

وأيضا فقصده بعينه في الفرض لا يكره، بخلاف قصده بعينه في النفل، فإنه يكره.

ولا تزول الكراهة إلا بضم غيره إليه، أو موافقته عادة.

فالمزيل للكراهة في الفرض مجرد كونه فرضا، لا المقارنة بينه وبين غيره.

وأما في النفل فالمزيل للكراهة ضم غيره إليه، أو موافقته عادة، ونحو ذلك.

قالوا: وأما قولكم: إن الاستثناء دليل التناول - إلى آخره - فلا ريب أن الاستثناء أخرج صورة الفرض من عموم النهي.

وصورة الاقتران بما قبله أو بما بعده أخرجت بالدليل الذي تقدم، فكلا الصورتين مخرج.

أما الفرض: فبالمخرج المتصل.

وأما صومه مضافا: فبالمخرج المنفصل، فبقيت صورة الإفراد، واللفظ متناول لها، ولا مخرج لها من عمومه، فيتعين حمله عليها.

ثم اختلف هؤلاء في تعليل الكراهة، فعللها ابن عقيل بأنه يوم يمسك فيه اليهود ويخصونه بالإمساك، وهو ترك العمل فيه، والصائم في مظنة ترك العمل فيصير صومه تشبها بهم، وهذه العلة منتفية في الأحد. ولا يقال: فهذه العلة موجودة إذا صامه مع غيره، ومع هذا فإنه لا يكره؛ لأنه إذا صامه مع غيره لم يكن قاصدا إلى تخصيصه المقتضي للتشبه، وشاهده استحباب ضم يوم قبل عاشوراء وبعده إليه لتنتفي صورة الموافقة. [ ص: 120 ]

وعلله طائفة أخرى بأنه يوم عيد لأهل الكتاب يعظمونه، فقصده بالصوم دون غيره يكون تعظيما له فكره ذلك، كما كره إفراد عاشوراء بالتعظيم لما عظمه أهل الكتاب، وإفراد رجب أيضا لما عظمه المشركون.

وهذا التعليل قد يعارض بيوم الأحد، فإنه يوم عيد للنصارى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اليوم لنا، وغدا لليهود، وبعد غد للنصارى" ، ومع ذلك فلا يكره صومه.

وأيضا فإذا كان يوم عيد فقد يقال: مخالفتهم فيه يكون بالصوم لا بالفطر، فالصوم فيه تحقيق للمخالفة. ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما من حديث كريب مولى ابن عباس قال: أرسلني ابن عباس وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة أسألها: أي الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها صياما؟ قالت كان يصوم السبت ويوم الأحد أكثر ما يصوم من الأيام، ويقول: "إنهما يوما عيد للمشركين، فأنا أحب أن أخالفهم ". وصححه بعض الحفاظ. فهذا نص في استحباب صوم يوم عيدهم لأجل مخالفتهم، فكيف تعلل كراهة صومه بكونه عيدا لهم؟!

وفي "جامع الترمذي " عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم [ ص: 121 ] من الشهر السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس. قال الترمذي: حديث حسن، وقد روى ابن مهدي هذا الحديث عن سفيان ولم يرفعه.

وهذان الحديثان ليسا بحجة على من كره إفراد السبت بالصوم، وعلله بأنهم يتركون العمل فيه، والصوم مظنة ذلك، فإنه إذا ضم إليه الأحد زال الإفراد المكروه وحصلت المخالفة بصوم يوم فطرهم، وزال صورة التعظيم المكروه بعدم التخصيص المؤذن بالتعظيم، فاتفقت بحمد الله الأحاديث، وزال عنها الاضطراب والاختلاف، وتبين تصديق بعضها بعضا.

فإن قيل: فما تقولون في صوم يوم النيروز والمهرجان ونحوهما من أعياد المشركين؟ قيل: قد كرهه كثير من العلماء، وأكثر أصحاب أحمد على الكراهة.

قال أحمد في رواية ابنه عبد الله: نا وكيع عن سفيان عن رجل عن أنس والحسن: أنهما كرها صوم يوم النيروز والمهرجان، قال عبد الله [ ص: 122 ] قال أبي: الرجل: أبان بن أبي عياش.

فلما أجاب أحمد بهذا الجواب لمن سأله عن صيام هذين اليومين، دل ذلك على أنه اختاره.

وهذه إحدى الطريقتين لأصحابه في مثل ذلك.

وقيل: لا يكون هذا اختيارا له، ولا ينسب إليه القول الذي حكاه، وأكثر الأصحاب على الكراهة، وعللوا ذلك بأنهما يومان يعظمهما الكفار، فيكون تخصيصهما بالصيام دون غيرهما موافقة لهم في تعظيمهما، فكره كيوم السبت.

قال صاحب المغني: وعلى قياس هذا: كل عيد للكفار، أو يوم يفردونه بالتعظيم.

قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية، قدس الله روحه: وقد يقال: يكره صوم يوم النيروز والمهرجان ونحوهما من الأيام التي لا تعرف بحساب العرب، بخلاف ما جاء في الحديث من يوم السبت والأحد؛ لأنه إذا قصد صوم مثل هذه الأيام العجمية أو الجاهلية، كان ذريعة إلى إقامة شعار هذه الأيام وإحياء [ ص: 123 ] أمرها، وإظهار حالها بخلاف السبت والأحد، فإنهما من حساب المسلمين، فليس في صومهما مفسدة فيكون استحباب صوم أعيادهم المعروفة بالحساب العربي الإسلامي، مع كراهة الأعياد المعروفة بالحساب الجاهلي العجمي، توفيقا بين الآثار والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية