صفحة جزء
2427 249 \ 2317 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألم أحدث أنك تقول: لأقومن الليل ولأصومن النهار؟ قال: أحسبه قال: نعم يا رسول الله، قد قلت ذاك قال قم ونم وصم وأفطر، وصم من كل شهر ثلاثة أيام، وذاك مثل صيام الدهر قال قلت: يا رسول الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فصم يوما وأفطر يومين قال: فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال: فصم يوما وأفطر يوما، وهو أعدل الصيام وهو صيام داود قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك [ ص: 126 ] وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي


قال ابن القيم رحمه الله: وهو نص في أن صوم يوم وفطر يوم أفضل من سرد الصيام، ولو كان سرد الصيام مشروعا أو مستحبا لكان أكثر عملا، فيكون أفضل؛ إذ العبادة لا تكون إلا راجحة، فلو كان عبادة لم يكن مرجوحا.

وقد تأول قوم هذا على أن المعنى: لا أفضل من ذلك للمخاطب وحده، لما علم من حاله ومنتهى قوته، وأن ما هو أكثر من ذلك يضعفه عن فرائضه، ويقطعه عن القيام بما عليه من الحقوق، وهذا تأويل باطل من وجوه.

أحدها: أن سياق الحديث يرده، فإنه إنما كان عن المطيق، فإنه قال: " فإني أطيق أفضل من ذلك " فسبب الحديث في المطيق، فأخبره أنه لا أفضل من ذلك للمطيق، الذي سأل.

ولو أن رجلا سأل من يفضل السرد.

وقال: إني أطيق أفضل من صوم يوم وفطر يوم ؟ لقال له: السرد أفضل.

الثاني: أنه أخبر عنه بثلاث جمل: إحداها: أنه أعدل الصيام.

والثانية: أنه صوم داود.

والثالثة: أنه لا أفضل منه.

وهذه الأخبار تمنع تخصيصه بالسائل.

الثالث: أن في بعض ألفاظ مسلم فيه: " فإني أقوى.

قال: فلم يزل [ ص: 127 ] يرفعني، حتى قال: صم يوما وأفطر يوما، فإنه أفضل الصيام، وهو صوم أخي داود "، فعلل ذلك بكونه أفضل الصيام، وأنه صوم داود، مع إخباره له بقوته، ولم يقل له: فإن قويت فالسرد أفضل.

الرابع: أن هذا موافق لقوله فيمن صام الأبد: " لا صام ولا أفطر "، ومعلوم أن السائل لم يسأله عن الصوم المحرم الذي قد استقر تحريمه عندهم، ولو قدر أنه سأله عنه لم يكن ليجيب عنه بقوله: " لا صام ولا أفطر " بل كان يجيب عنه بصريح النهي.

والسياق يدل على أنه إنما سأله عن الصوم المأذون فيه، لا الممنوع منه، ولا يعبر عن صيام الأيام الخمسة، وعن المنع منها بقوله: " لا صام من صام الأبد "، ولا هذه العبارة مطابقة للمقصود، بل هي بعيدة منه جدا.

الخامس: أنه صلى الله عليه وسلم أخبر " أن أحب الصيام إلى الله: صيام داود، وأحب القيام إلى الله قيام داود "، وأخبر بهما معا.

ثم فسره بقوله: " كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوما، ويفطر يوما " رواه البخاري ومسلم.

وهذا صريح في أنه إنما كان أحب إلى الله لأجل هذا الوصف، وهو ما يتخلل الصيام والقيام من الراحة التي تجم لها نفسه، ويستعين بها على القيام بالحقوق.

وبالله التوفيق.

التالي السابق


الخدمات العلمية