صفحة جزء
184 16 - باب في الوضوء من لحوم الإبل

25 \ 172 - عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل ؟ فقال: توضئوا منها . وسئل عن لحوم الغنم؟ فقال: لا توضئوا منها وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل؟ فقال: لا تصلوا في [ ص: 130 ] مبارك الإبل، فإنها من الشياطين. وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم؟ فقال: صلوا فيها، فإنها بركة .

وأخرجه الترمذي وابن ماجه مختصرا .

وكان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقولان: قد صح في هذا الباب حديث البراء بن عازب، وحديث جابر بن سمرة.

قال الشيخ: وحديث جابر بن سمرة خرجه مسلم في "صحيحه"، ولفظه: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ". قال: أأتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم، فتوضأ من لحوم الإبل". قال: أأصلي في مرابض الغنم؟ قال: "نعم". قال: أأصلي في مبارك الإبل؟ قال: "لا" .


قال ابن القيم رحمه الله: وقد أعل ابن المديني حديث جابر بن سمرة في الوضوء من لحوم الإبل. قال محمد بن أحمد بن البراء: قال علي: جعفر مجهول، يريد جعفر بن أبي ثور راويه عن جابر.

وهذا تعليل ضعيف، قال البخاري في "التاريخ": جعفر بن أبي ثور [عن] جده جابر بن سمرة، قال سفيان وزكريا وزائدة: عن سماك، عن جعفر بن أبي ثور، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في اللحوم. قال البخاري: [ ص: 131 ] وقال أهل النسب: ولد جابر بن سمرة: خالد، وطلحة، ومسلمة وهو أبو ثور. قال: وقال شعبة: عن سماك، عن أبي ثور بن عكرمة بن جابر بن سمرة، عن جابر.

قال الترمذي في "العلل": حديث سفيان الثوري أصح من حديث شعبة، وشعبة أخطأ فيه فقال: عن أبي ثور، وإنما هو جعفر بن أبي ثور.

قال البيهقي: وجعفر بن أبي ثور رجل مشهور، وهو من ولد جابر بن سمرة، روى عنه سماك بن حرب، وعثمان بن عبد الله بن موهب، وأشعث بن أبي الشعثاء.

قال ابن خزيمة: وهؤلاء الثلاثة من أجلة رواة الحديث.

قال البيهقي: ومن روى عنه مثل هؤلاء خرج من أن يكون مجهولا، ولهذا أودعه مسلم كتابه "الصحيح".

قال البيهقي: وأخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ، نا إبراهيم بن عبد الله الأصفهاني، قال: قال محمد بن إسحاق بن خزيمة: لم نر خلافا بين [ ص: 132 ] علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه .

قال البيهقي: وروينا عن علي بن أبي طالب وابن عباس: الوضوء مما خرج، وليس مما دخل . وإنما قالا ذلك في ترك الوضوء مما مست النار.

ثم ذكر عن ابن مسعود أنه أتي بقصعة من الكبد والسنام من لحم الجزور، فأكل ولم يتوضأ قال: وهذا منقطع وموقوف.

وروي عن أبي عبيدة قال: كان عبد الله بن مسعود يأكل من ألوان الطعام ولا يتوضأ منه.

قال البيهقي: وبمثل هذا لا يترك ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا كلامه في "السنن الكبير". وهو كما ترى صريح في اختياره القول بأحاديث النقض. واختاره ابن خزيمة.

ومن العجب معارضة هذه الأحاديث بحديث جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار ، ولا تعارض بينهما [ ص: 133 ] أصلا; فإن حديث جابر هذا إنما يدل على أن كونه ممسوسا بالنار ليس جهة من جهات نقض الوضوء، ومن نازعكم في هذا؟

نعم، هذا يصلح أن يحتجوا به على من يوجب الوضوء مما مست النار، على صعوبة تقرير دلالته. وأما من يجعل كون اللحم لحم إبل هو الموجب للوضوء، سواء مسته النار أم لم تمسه، فيوجب الوضوء من نيه ومطبوخه وقديده، فكيف يحتج عليه بهذا الحديث؟ وحتى لو كان لحم الإبل فردا من أفراده، فإنما تكون دلالته بطريق العموم، فكيف يقدم على الخاص؟ هذا مع أن العموم لم يستفد ضمن كلام صاحب الشرع، وإنما هو من قول الراوي.

وأيضا: فأبين من هذا كله: أنه لم يحك لفظا، لا خاصا ولا عاما، وإنما حكى أمرين هما فعلان، أحدهما متقدم، وهو فعل الوضوء، والآخر متأخر، وهو تركه من ممسوس النار. فهاتان واقعتان، توضأ في إحداهما وترك [ ص: 134 ] في الأخرى، من شيء معين مسته النار، لم يحك لفظا عاما ولا خاصا ينسخ به اللفظ الصريح الصحيح.

وأيضا: فإن الحديث قد جاء مبينا من رواية جابر نفسه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعي إلى طعام، فأكل ثم حضرت الظهر، فقام وتوضأ وصلى ثم أكل، فحضرت العصر، فقام فصلى ولم يتوضأ. فكأن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار . فالحديث له قصة، فبعض الرواة اقتصر على موضع الحجة فحذف القصة، وبعضهم ذكرها، وجابر روى الحديث بقصته. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية