صفحة جزء
2788 كتاب الأضاحي

1- باب ما جاء في وجوب الأضاحي

294 \ 2670 - عن مخنف بن سليم قال ونحن وقوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات قال يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة أتدرون ما العتيرة هذه التي يقول الناس الرجبية

وأخرجه النسائي وابن ماجه والترمذي ، وقال: حسن غريب، ولا نعرف هذا الحديث مرفوعا إلا من هذا الوجه من حديث ابن عون.

وقال الخطابي: ضعيف المخرج، وأبو رملة مجهول.

وقال أبو بكر المعافري: هو حديث ضعيف لا يحتج به.


قال ابن القيم رحمه الله: وقال عبد الحق: إسناد هذا الحديث ضعيف. وقال ابن القطان: يرويه حبيب بن مخنف- وهو مجهول- عن أبيه

[ ص: 252 ] وفيه أبو رملة عامر بن أبي رملة لا يعرف إلا به. انتهى.

وقال البيهقي: هذا إن صح فهو على طريق الاستحباب، وقد جمع بين الأضحية والعتيرة، والعتيرة غير واجبة بالإجماع.

وقال غيره: هذا الحديث منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا فرع ولا عتيرة".

وقيل: "لا" لنفي الوجوب، والحديث يدل على الاستحباب ليكون جمعا بين الحديثين.

قال الخطابي: وكان ابن سيرين من بين أهل العلم يذبح العتيرة في شهر رجب، ويروي فيها شيئا

وقال أبو داود: العتيرة منسوخة.

وقال غيره: قال بعض السلف ببقاء حكمها.

[ ص: 253 ] وقد روى أحمد في "مسنده " عن أبي رزين العقيلي أنه قال: يا رسول الله، إنا كنا نذبح في رجب ذبائح فنأكل منها ونطعم من جاءنا، فقال: "لا بأس بذلك ".

وفي "المسند" أيضا و"سنن النسائي " عن الحارث بن عمرو أنه لقي رسول الله ! في حجة الوداع، قال: فقال رجل: يا رسول الله، الفرائع والعتائر؟ قال: "من شاء فرع ومن شاء لم يفرع، ومن شاء عتر ومن شاء لم يعتر، في الغنم أضحية".

وسيأتي بعد هذا في باب العتيرة قول النبي صلى الله عليه وسلم : "في كل

[ ص: 254 ] سائمة من الغنم فرع
" فهذه الأحاديث تدل على مشروعيته.

وقال ابن المنذر: ثبت أن عائشة قالت: أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الفرعة من كل خمسين بواحدة. قال: وروينا عن نبيشة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب، فما تأمرنا؟ فقال: " في كل سائمة فرع "، اختصر الحديث، وسيأتي لفظه.

قال: وخبر عائشة وخبر نبيشة ثابتان. قال: وقد كانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية، ويفعلها بعض أهل الإسلام، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما، ثم نهى عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا فرع ولا عتيرة"، فانتهى الناس عنهما لنهيه إياهم عنهما.

[ ص: 255 ] ومعلوم أن النهي لا يكون إلا عن شيء قد كان يفعل، ولا نعلم أن أحدا من أهل العلم يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهاهم عنهما ثم أذن فيهما.

والدليل على أن الفعل كان قبل النهي: قوله في حديث نبيشة: "إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية، وإنا كنا نفرع فرعا في الجاهلية".

وفي إجماع عوام علماء الأمصار أن استعمالهما ذلك وقوف عن الأمر بهما، مع ثبوت النهي عن ذلك بيان لما قلنا.

وقد كان ابن سيرين من بين أهل العلم يذبح العتيرة في شهر رجب، وكان يروي فيها شيئا. وكان الزهري يقول: "الفرعة أول نتاج، والعتيرة شاة كانوا يذبحونها في رجب ". آخر كلام ابن المنذر.

وقال أبو عبيد: هذا منسوخ. وكان إسحاق بن راهويه يحمل قوله:"لا فرع ولا عتيرة" أي لا يجب ذلك، ويحمل هذه الأحاديث على الإذن فيها. قال الحازمي: وهذا أولى مما سلكه ابن المنذر.

[ ص: 256 ] وقال الشافعي: الفرعة شيء كان أهل الجاهلية يطلبون به البركة في أموالهم، فكان أحدهم يذبح بكر ناقته لا يغذوه رجاء البركة فيما يأتي بعده، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "افرعوا إن شئتم " أي اذبحوا إن شئتم. وكانوا يسألونه عما يصنعونه في الجاهلية خوفا أن يكره في الإسلام، فأعلمهم أنهم لا بركة لهم فيه، وأمرهم أن يغذوه، ثم يحملون عليه في سبيل الله.

قال البيهقي: أو يذبحونه ويطعمونه، كما في حديث نبيشة.

قال الشافعي: وقوله: "الفرعة حق " أي ليست بباطل، ولكنه كلام عربي يخرج على جواب السائل. قال الشافعي: وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا فرع ولا عتيرة"، وليس باختلاف من الرواة، إنما هو: لا فرعة ولا عتيرة واجبة. والحديث الآخر في الفرعة والعتيرة يدل على معنى هذا أنه أباح [ ص: 257 ] الذبح، واختار له أن يعطيه أرملة، أو يحمل عليه في سبيل الله. والعتيرة هي الرجبية، وهي ذبيحة كان أهل الجاهلية يتبررون بها في رجب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا عتيرة" على معنى: لا عتيرة لازمة.

وقوله حين سئل عن العتيرة: "اذبحوا لله في أي شهر ما كان، وبروا لله وأطعموا" أي اذبحوا إن شئتم واجعلوا الذبح لله لا لغيره في أي شهر ما كان، لا أنها في رجب دون ما سواه من الشهور. آخر كلامه.

وقال أصحاب أحمد: لا يسن شيء من ذلك، وهذه الأحاديث منسوخة.

قال الشيخ أبو محمد: "ودليل النسخ أمران، أحدهما: أن أبا هريرة هو الذي روى حديث "لا فرع ولا عتيرة" وهو متفق عليه. وأبو هريرة متأخر الإسلام، أسلم في السنة السابعة من الهجرة.

والثاني: أن الفرع والعتيرة كان فعلهما أمرا متقدما على الإسلام. فالظاهر بقاؤهم عليه إلى حين نسخه، واستمرار النسخ من غير رفع له. قال: ولو قدرنا تقدم النهي على الأمر بها، لكانت قد نسخت ثم نسخ ناسخها، وهذا خلاف الظاهر.

فإذا ثبت هذا، فإن المراد بالخبر نفي كونها سنة، لا تحريم فعلها [ ص: 258 ] ولاكراهته. فلو ذبح إنسان ذبيحة في رجب، أو ذبح ولد الناقة لحاجته إلى ذلك، أو الصدقة به، أو إطعامه، لم يكن ذلك مكروها".

التالي السابق


الخدمات العلمية