صفحة جزء
3231 [ ص: 384 ] 357 \ 3101 -وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم

وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي


قال ابن القيم رحمه الله: وقد اختلف الناس في هذين الحديثين، فضعفت طائفة حديث بشير.

قال البيهقي: رواه جماعة عن الأسود بن شيبان، ولا يعرف إلا بهذا الإسناد، وقد ثبت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر هذا الحديث

وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: حديث بشير إسناده جيد أذهب إليه، إلا من علة.

قال المجوزون.

يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم رأى بنعليه قذرا، فأمره أن يخلعهما، ويحتمل أن يكون كره له المشي فيهما، لما فيه من الخيلاء، فإن النعال السبتية من زي أهل التنعم والرفاهية، كما قال عنترة:


بطل كأن ثيابه في سرحة يحذى نعال السبت ليس بتوأم



وهذا ليس بشيء، ولا ذكر في الحديث شيء من ذلك.

ومن تدبر نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبر، والاتكاء إليه، والوطء عليه علم أن [ ص: 385 ] النهي إنما كان احتراما لسكانها أن يوطأ بالنعال فوق رءوسهم، ولهذا ينهى عن التغوط بين القبور، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم " أن الجلوس على الجمر حتى تحرق الثياب خير من الجلوس على القبر" ومعلوم: أن هذا أخف من المشي بين القبور بالنعال.

وبالجملة: فاحترام الميت في قبره بمنزلة احترامه في داره التي كان يسكنها في الدنيا، فإن القبر قد صار داره.

وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم " كسر عظم الميت ككسره حيا ".

فدل على أن احترامه في قبره كاحترامه في داره، والقبور هي ديار الموتى ومنازلهم، ومحل تزاورهم، وعليها تنزل الرحمة من ربهم والفضل على محسنهم، فهي منازل المرحومين، ومهبط الرحمة، ويلقى بعضهم بعضا على أفنية قبورهم، يتجالسون ويتزاورون، كما تضافرت به الآثار.

ومن تأمل كتاب القبور لابن أبي الدنيا رأى فيه آثارا كثيرة في ذلك.

فكيف يستبعد أن يكون من محاسن الشريعة: إكرام هذه المنازل عن وطئها بالنعال واحترامها ؟ بل هذا من تمام محاسنها، وشاهده ما ذكرناه من وطئها، والجلوس عليها والاتكاء عليها.

وأما تضعيف حديث بشير: فمما لم نعلم أحدا طعن فيه بل قد قال الإمام أحمد: إسناده جيد.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان عبد الله بن [ ص: 386 ] عثمان يقول فيه: حديث جيد ورجل ثقة.

وأما معارضته بقوله صلى الله عليه وسلم " إنه ليسمع قرع نعالهم " فمعارضة فاسدة، فإن هذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بالواقع وهو سماع الميت قرع نعال الحي، وهذا لا يدل على الإذن في قرع القبور والمشي بينها بالنعال؛ إذ الإخبار عن وقوع الشيء لا يدل على جوازه ولا تحريمه، ولا حكمه.

فكيف يعارض النهي الصريح به ؟

قال الخطابي: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى أن توطأ القبور "

وقد روى ابن ماجه في سننه عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأن أمشي على جمرة أو سيف، أو أخصف نعلي برجلي أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أوسط القبر - كذا قال - [ ص: 387 ] - قضيت حاجتي، أو وسط الطريق " وعلى هذا: فلا فرق بين النعل والجمجم والمداس والزربول.

وقال القاضي أبو يعلى: ذلك مختص بالنعال لا يتعداها إلى غيرها.

قال: لأن الحكم تعبد غير معلل، فلا يتعدى مورد النص.

وفيما تقدم كفاية في رد هذا، وبالله التوفيق.

التالي السابق


الخدمات العلمية