صفحة جزء
3292 368 \ 3160 - وعن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنها رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين

وأخرجه الترمذي

وفيه سليمان بن أرقم، وقال الإمام أحمد: ليس بشيء، لا يروى عنه الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء ، لا يساوي فلسا. وقال البخاري: تركوه. وتكلم فيه عمرو بن علي، والسعدي، وأبو داود، وأبو زرعة، وابن حبان، والدارقطني.

وقال الخطابي: لو صح هذا الحديث لكان القول به واجبا، والمصير إليه [ ص: 405 ] لازما، إلا أن أهل المعرفة بالحديث زعموا أنه حديث مقلوب، وهم فيه سليمان بن أرقم، فرواه عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة، فحمله عنه الزهري وأرسله عن أبي سلمة، ولم يذكر فيه سليمان بن أرقم ولا يحيى بن أبي كثير- وساق الشاهد على ذلك-.


قال ابن القيم رحمه الله: وقال البيهقي: هذا حديث لم يسمعه الزهري من أبي سلمة، إنما سمعه من سليمان بن أرقم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، كذلك رواه محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة عن الزهري،

وسليمان بن أرقم متروك، والحديث عند غيره عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك رواه علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير

وبمعناه رواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، إلا في حديث الأوزاعي " لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين "

[ ص: 406 ] وكذلك رواه حماد بن زيد عن محمد بن الزبير

ورواه ابن أبي عروبة عن محمد بن الزبير وقال " لا نذر في معصية الله ".

ورواه عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن الزبير عن أبيه أن رجلا حدثه أنه سأل عمران بن حصين عن رجل حلف أنه لا يصلي في مسجد قومه، فقال عمران: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين "، وفي هذا دلالة على أن أباه لم يسمعه من عمران.

ورواه محمد بن إسحاق عن محمد بن الزبير عن رجل صحبه عن عمران.

ورواه الثوري عن محمد بن الزبير عن الحسن عن عمران إلا أنه قال " لا نذر في معصية، أو في غضب " قال: فهذا حديث مختلف في إسناده ومتنه، كما ذكرنا. ولا تقوم الحجة بأمثال ذلك.

وقد روينا عن محمد بن إسماعيل البخاري أنه قال: محمد بن الزبير الحنظلي منكر الحديث. وفيه نظر.

[ ص: 407 ] قال البيهقي: وإنما الحديث فيه عن الحسن عن هياج بن عمران البرجمي " أن غلاما لأبيه أبق، فجعل لله عليه: لئن قدر عليه ليقطعن يده، فلما قدر عليه بعثني إلى عمران بن حصين فسألته ؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث في خطبته على الصدقة، وينهى عن المثلة.

فقل لأبيك فليكفر عن يمينه، وليتجاوز عن غلامه.

قال: وبعثني إلى سمرة، فقال مثل ذلك "


وهذا أصح ما روي فيه عن عمران.

واختلف في اسم الذي رواه عنه الحسن.

فقيل هكذا وقيل: حيان بن عمران البرجمي.

والأمر بالتكفير فيه موقوف على عمران وسمرة.

والذي روي عن ابن عباس مرفوعا " من نذر نذرا في معصية الله فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا لم يطقه، فكفارته كفارة يمين " [ ص: 408 ] لم يثبت رفعه والله أعلم.

قال الموجبون للكفارة في نذر المعصية - وهم أحمد وإسحاق والثوري وأبو حنيفة وأصحابه - هذه الآثار قد تعددت طرقها.

ورواتها ثقات.

وحديث عائشة احتج به الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه، وإن كان الزهري لم يسمعه من أبي سلمة، فإن له شواهد تقويه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة: جابر وعمران بن حصين وعبد الله بن عمر، قاله الترمذي: وفيه حديث ابن عباس رفعه " من نذر نذرا في معصية، فكفارته كفارة يمين " رواه أبو داود، [ ص: 409 ]

ورواه ابن الجارود في مسنده، ولفظه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " النذر نذران: فما كان لله فكفارته الوفاء به، وما كان للشيطان فلا وفاء فيه وعليه كفارة يمين "

وروى أبو إسحاق الجوزجاني حديث عمران بن حصين في كتابه المترجم وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " النذر نذران، فما كان من نذر في طاعة الله فذلك لله، وفيه الوفاء، وما كان من نذر في معصية الله، فلا وفاء فيه، ويكفره ما يكفر اليمين "

وروى الطحاوي بإسناد صحيح عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه، وليكفر عن يمينه، وهو [ ص: 410 ] عند البخاري إلا ذكر الكفارة.

قال الإشبيلي: وهذا أصح إسنادا، وأحسن من حديث أبي داود - يعني حديث الزهري عن أبي سلمة المتقدم.

وفي مصنف عبد الرزاق: عن يحيى بن أبي كثير عن رجل من بني حنيفة، وعن أبي سلمة كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا " لا نذر في غضب ولا في معصية الله، وكفارته كفارة يمين "

قالوا: وقد روى مسلم في صحيحه من حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " كفارة النذر كفارة اليمين ".

وهذا يتناول نذر المعصية من وجهين.

أحدهما: أنه عام لم يخص منه نذرا دون نذر.

[ ص: 411 ] الثاني: أنه شبهه باليمين، ومعلوم: أنه لو حلف على المعصية وحنث لزمه كفارة يمين، بل وجوب الكفارة في نذر المعصية أولى منها في يمين المعصية لما سنذكره.

قالوا: ووجوب الكفارة قول عبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله، وعمران بن حصين وسمرة بن جندب، ولا يحفظ عن صحابي خلافهم.

قالوا: وهب أن هذه الآثار لم تثبت، فالقياس يقتضي وجوب الكفارة فيه؛ لأن النذر يمين، ولو حلف ليشربن الخمر، أو ليقتلن فلانا، وجبت عليه كفارة اليمين وإن كانت يمين معصية فهكذا إذا نذر المعصية.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تسمية النذر يمينا - لما قال لأخت عقبة لما نذرت المشي إلى بيت الله فعجزت تكفر يمينها، وهو حديث صحيح وسيأتي.

[ ص: 412 ] وعن عقبة مرفوعا وموقوفا " النذر حلفة ".

وقال ابن عباس في امرأة نذرت ذبح ابنها " كفري يمينك "

فدل على أن النذر داخل في مسمى اليمين في لغة من نزل القرآن بلغتهم.

وذلك أن حقيقته هي حقيقة اليمين، فإنه عقده لله ملتزما له، كما أن الحالف عقد يمينه بالله ملتزما لما حلف عليه، بل ما عقد لله أبلغ وألزم مما عقد به، فإن ما عقد به من الأيمان لا يصير باليمين واجبا، فإذا حلف على قربة [ ص: 413 ] مستحبة ليفعلها لم تصر واجبة عليه، وتجزئه الكفارة ولو نذرها وجبت عليه ولم تجزئه الكفارة.

فدل على أن الالتزام بالنذر آكد من الالتزام باليمين، فكيف يقال: إذا التزم معصية بيمينه وجبت عليه الكفارة، وإذا التزمها بنذره الذي هو أقوى من اليمين فلا كفارة فيها؟ فلو لم يكن في المسألة إلا هذا وحده لكان كافيا.

ومما يدل على أن النذر آكد من اليمين.

أن الناذر إذا قال: لله علي أن أفعل كذا فقد عقد نذره بجزمه أيمانه بالله، والتزامه تعظيمه، كما عقدها الحالف بالله كذلك، فهما من هذه الوجوه سواء، والمعنى الذي يقصده الحالف ويقوم بقلبه هو بعينه مقصود للناذر قائم بقلبه ويزيد النذر عليه أنه التزمه لله، فهو ملتزم من وجهين: له، وبه.

والحالف إنما التزم ما حلف عليه خاصة، فالمعنى الذي في اليمين داخل في حقيقة النذر فقد تضمن النذر اليمين وزيادة، فإذا وجبت الكفارة في يمين المعصية فهي أولى بأن تجب في نذرها.

ولأجل هذه القوة والتأكيد: قال بعض الموجبين للكفارة فيه: إنه إذا نذر المعصية لم يبرأ بفعلها، بل تجب عليه الكفارة عينا، ولو فعلها لقوة النذر، بخلاف ما إذا حلف عليها، فإنه إنما تلزمه الكفارة إذا حنث؛ لأن اليمين أخف من النذر. وهذا أحد الوجهين لأصحاب أحمد، وتوجيهه ظاهر [ ص: 414 ] جدا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن الوفاء بالمعصية، وعين عليه الكفارة عينا، فلا يخرج من عهدة الأمر إلا بأدائهما.

وبالله التوفيق.

التالي السابق


الخدمات العلمية