صفحة جزء
3927 481 \ 3773 وعنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيما عبد كاتب على مائة أوقية، فأداها إلا عشرة أواق فهو عبد، وأيما عبد كاتب على مائة دينار، فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد .

وأخرجه النسائي وابن ماجه والترمذي، وقال: غريب.

وقال الشافعي : لم أعلم أحدا روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عمرو، وعلى هذا فتيا المفتين .


[ ص: 4 ] قال ابن القيم رحمه الله: قال الشافعي: ونحن نروي عن زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة :"أنه عبد ما بقي عليه شيء ".

قال البيهقي: وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " .

وذكر الشافعي، عن الشعبي: أن عليا قال في المكاتب " يعتق منه بحساب ما أدى " ، وعن الحارث الأعور عنه : " يعتق منه بقدر ما أدى، ويرث بقدر ما أدى ".

قال البيهقي: وقد روى حماد بن سلمة، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما عتق منه، وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه .

[ ص: 5 ] وبهذا الإسناد قال " يؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر، وما بقي دية عبد".

وفي "المسند" لأحمد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يؤدي المكاتب بقدر ما أدى . وقد روى هذا موقوفا عليه.

ورواه الترمذي أتم من هذا، عن ابن عباس قال : إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما عتق منه، ويودي المكاتب بحصة ما أدى دية حر، وما بقي دية عبد . قال الترمذي: هذا حديث حسن.

قال البيهقي: ورواه وهيب، عن أيوب، عن عكرمة [عن علي] مرفوعا : [ ص: 6 ] يودي المكاتب بحصة ما أدى دية حر، وما بقي دية عبد قال: ورواية عكرمة، عن علي مرسلة.

ورواه حماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.

وروي عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعا في الدية.

واختلف فيه على هشام الدستوائي، عن يحيى; فرفعه عنه جماعة، ووقفه على ابن عباس بعضهم، [ ص: 7 ] ورواه علي بن المبارك، عن يحيى مرفوعا، ثم قال يحيى: قال عكرمة، عن ابن عباس " يقام عليه حد المملوك " وهذا يخالف رواية حماد بن سلمة في النص، والرواية المرفوعة هي القياس.

ولهذا الاضطراب - والله أعلم - ترك الإمام أحمد القول به، فإنه سئل عن هذا الحديث ؟ فقال: أنا أذهب إلى حديث بريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بشرائها، يعني أنها بقيت على الرق حتى أمر بشرائها.

وقد اختلف الناس في هذه المسألة على مذاهب:

أحدها: أنه لا يعتق منه شيء ما دام عليه شيء من كتابته. وهذا قول الأكثرين، ويروى عن عمر وزيد وابن عمر وعائشة وأم سلمة، وجماعة من التابعين. وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وإسحاق.

[ ص: 8 ] وروى سعيد بن منصور في "سننه"، عن أبي قلابة قال : كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتجبن من مكاتب، ما بقي عليه دينار .

وذكر سعيد في "سننه" أيضا، عن عطاء: أن ابن عمر كاتب غلاما على ألف دينار، فأدى إليه تسعمائة دينار، وعجز عن مائة، فرده ابن عمر رضي الله عنهما في الرق .

قالوا: وهذا هو مقتضى أصول الشريعة، فإن عتقه مشروط بأداء جميع العوض، فلا يقع شيء منه قبل أدائه، كما لو علق طلاقها على عوض، فأدت بعضه، ولأنه لو عتق منه شيء لكان هو السبب في إعتاقه، فكان يسري إلى باقيه إذا كان موسرا، كما لو باشره بالعتق.

وهذا باطل قطعا، فإنه لا يبقى للكتابة معنى، فإنه يؤدي درهما مثلا، ويتنجز عتقه.

وهذا لم يقل به أحد، وذلك أن العتق لا يتبعض في ملك الإنسان، فلو عتق منه شيء بالأداء سرى إلى باقيه; ولا سراية، فلا عتق.

[ ص: 9 ] المذهب الثاني: أنه يعتق منه بقدر ما أدى، وكلما أدى شيئا عتق منه بقدره. وهذا مذهب رابع الخلفاء الراشدين، وأحد الأئمة المهديين علي بن أبي طالب.

وحجة هذا القول: حديث ابن عباس المتقدم، وهو حديث حسن، قد روي من وجوه متعددة، ورواته أئمة ثقات لا مطعن فيهم، ولا تعلق عليهم في الحديث، سوى الوقف أو الإرسال، وقد روي موقوفا ومرفوعا، ومرسلا ومسندا، والذين رفعوه ثقات، والذين وقفوه ثقات.

وقد أعله قوم بتفرد حماد بن سلمة به وليس كذلك، فقد رواه وهيب وحماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، وله طرق قد ذكرنا بعضها.

المذهب الثالث: أنه إذا أدى شطر الكتابة فلا رق عليه ويلزم بأداء [ق212] الباقي.

وهذا يروى، عن عمر بن الخطاب، وعن علي أيضا، [ ص: 10 ] وهو قول إبراهيم النخعي.

المذهب الرابع: أنه إذا أدى قيمته فهو حر. قال الشافعي، عن حماد بن خالد الخياط، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله : " إذا أدى المكاتب قيمته فهو حر ".

المذهب الخامس: أنه إذا أدى ثلاثة أرباع الكتابة وعجز عن ربعها عتق، وهذا قول أبي بكر عبد العزيز، والقاضي، وأبي الخطاب، بناء منهم على وجوب رد ربع كتابته إليه، فلا يرد إلى الرق بعجزه، عن أداء شيء يجب رده إليه، وهو حقه لا حق للسيد فيه.

المذهب السادس: أنه إذا ملك ما يؤدي عتق بنفس ملكه قبل أدائه، وهذا إحدى الروايتين، عن الإمام أحمد، وعلى هذا: إذا ملك ما يؤدي ثم مات قبل الأداء مات حرا، يدفع إلى سيده مقدار كتابته، والباقي لورثته.

واحتج لهذا المذهب بما رواه نبهان مكاتب لأم سلمة قال: سمعت أم سلمة تقول: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان لإحداكن مكاتب، فكان عنده ما [ ص: 11 ] يؤدي، فلتحتجب عنه . رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح.

قال الشافعي في القديم: ولم أحفظ عن سفيان أن الزهري سمعه من نبهان، ولم أر من رضيت من أهل الحديث يثبت واحدا من هذين الحديثين، والله أعلم.

قال البيهقي: أراد هذا وحديث عمرو بن شعيب " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " قال: وحديث عمرو بن شعيب قد رويناه موصولا، وحديث نبهان قد ذكر فيه معمر سماع الزهري من نبهان، إلا أن صاحبي "الصحيح" لم يخرجاه، إما لأنهما لم يجدا ثقة يروى عنه غير الزهري، فهو عندهما لا يرتفع عنه اسم الجهالة برواية واحد عنه، أو لأنهما لم يثبت عندهما من عدالته ومعرفته ما يوجب قبول خبره هذا آخر كلامه.

وقد ذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم في موضعين من "كتابه": أن محمد بن عبد الرحمن مولى طلحة روى عن نبهان، ومحمد بن عبد الرحمن هذا ثقة، احتج به مسلم في "الصحيح".

[ ص: 12 ] قال الشافعي: وقد يجوز أن يكون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة - إن كان أمرها بالحجاب من مكاتبها إذا كان عنده ما يؤدي - على ما عظم الله به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين وخصهن منه، وفرق بينهن وبين النساء إن اتقين، ثم تلا الآيات في اختصاصهن بأن جعل عليهن الحجاب من المؤمنين، وهن أمهات المؤمنين، ولم يجعل على امرأة سواهن أن تحتجب ممن يحرم عليه نكاحها - ثم ساق الكلام إلى أن قال - : ومع هذا فإن احتجاب المرأة ممن له أن يراها واسع لها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم - يعني سودة - أن تحتجب من رجل قضى أنه أخوها، وذلك يشبه أن يكون للاحتياط، وأن الاحتجاب ممن له أن يراها مباح، والله أعلم.

فأما حديث أم سلمة، فليس صريحا في أنه يعتق بملك الأداء، إنما فيه أمر نساءه، أو أمر النساء عامة، باحتجابهن من مكاتبيهن إذا كان عندهم ما يؤدون، وهذا لأنهم بملك الأداء قد شارفوا العتق، وقوي سبب الأجنبية بينهم وبين ساداتهم، فاحتجاب النساء ساداتهم منهم أحوط.

والعبد ليس بمحرم لسيدته في أحد القولين، وفي الآخر: هو محرم لسيدته، للحاجة لهما إلى ذلك، وكثرة دخوله وخروجه عليها، وملكها منافعه، واستخدامه، [ ص: 13 ] وبالكتابة لم يتحقق زوال هذا المعنى، فإذا ملك ما يؤدي، وقد ملك منافعه بالكتابة، ولم يبق في عوده إلى الرق مطمع غالبا قوي جانب الحرية فيه وتأكد سبب الاحتجاب، مع أن حديث أم سلمة في سياقه ما يدل على أنها إنما احتجبت منه بعد إذنها في دفع ما عليه لأخيها.

قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا سفيان قال: سمعت الزهري يذكر عن نبهان مولى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان معها، وأنها سألته: كم بقي عليك من كتابتك ؟ فذكر شيئا قد سماه، وأنه عنده، فأمرته أن يعطيه أخاها أو ابن أخيها، وألقت الحجاب، واستترت منه، وقالت : عليك السلام، وذكرت، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا كان لإحداكن مكاتب، فكان عنده ما يؤدي، فلتحتجب منه .

فهذا السياق يدل على ما ذكرنا، إلا أن المرفوع منه دليل على الاحتجاب بنفس ملك الأداء وهذا وجهه - والله أعلم - ما تقدم.

وإنما الشأن في حديث عمرو بن شعيب وحديث ابن عباس، وفي تقديم أحدهما على الآخر.

وفي معارضة الإمام أحمد لحديث ابن عباس بحديث بريرة نظر، فإنه لا تعارض بينهما، فإن بريرة لم تكن قضت من كتابتها شيئا، هكذا في [ ص: 14 ] "الصحيحين"، عن عائشة، ولو أدى المكاتب من كتابته جاز بيعه وبقي عند المشتري كما كان عند البائع، فإذا كمل إليه ما بقي عليه من الكتابة عتق، فلم يتضمن بيعه إبطال ما انعقد فيه من الحرية، أو سببها.

ولكن حديث ابن عباس يرويه عنه عكرمة، وقد اضطرب فيه اضطرابا كثيرا: فمرة يرويه عنه قوله، ومرة يرويه عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يذكر ابن عباس، ومرة يقول: عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه يقام عليه الحد بحساب ما عتق منه " ومرة يرويه، عن علي موقوفا.

وهذا الاضطراب يوجب التوقف في الحديث.

وحديث عمرو بن شعيب سالم من مثل هذا الاضطراب، ومعه فتاوى من ذكرنا من الصحابة وعليه [ق213] العمل.

فهذا ما أدى إليه الجهد في هذه المسألة، وفوق كل ذي علم عليم.

التالي السابق


الخدمات العلمية