صفحة جزء
4127 4 - باب من روى أن لا ينتفع من الميتة بإهاب

515 \ 3964 - عن عبد الله بن عكيم قال : قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأرض جهينة، وأنا غلام شاب: أن لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب .

قال أبو داود: فإذا دبغ لا يقال له إهاب، إنما يسمى: شنا وقربة، قال النضر بن شميل: يسمى إهابا ما لم يدبغ.

وأخرجه الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه .

ويروى عن ابن عكيم عن أشياخ له هذا الحديث .

[ ص: 66 ] وقال الترمذي أيضا: وسمعت أحمد بن الحسن يقول: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لما ذكر فيه: "قبل وفاته بشهرين"، وكان يقول: كان هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ترك أحمد بن حنبل هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده.

وقد حكى الخلال في كتابه: أن أحمد توقف في حديث ابن عكيم، لما رأى تزلزل الرواة فيه. وقال بعضهم: رجع عنه .

وقال النسائي : أصح ما في هذا الباب- في جلود الميتة إذا دبغت- حديث الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة.


قال ابن القيم رحمه الله: وقال أبو الفرج بن الجوزي: حديث ابن عكيم مضطرب جدا، فلا يقاوم الأول.

واختلف مسالك الفقهاء في حديث ابن عكيم وأحاديث الدباغ، [ ص: 67 ] فطائفة قدمت أحاديث الدباغ عليه، لصحتها، وسلامتها من الاضطراب، وطعنوا في حديث ابن عكيم باضطرابه وبإرساله.

وطائفة قدمت حديث ابن عكيم لتأخره، وثقة رواته، ورأوا أن هذا الاضطراب لا يمنع الاحتجاج به، وقد رواه شعبة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن عكيم، فحديث محفوظ.

قالوا: ويؤيده: ما ثبت، عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي، عن افتراش جلود السباع والنمور، كما سيأتي.

وطائفة عملت بالأحاديث كلها، ورأت أنه لا تعارض بينها، وحديث ابن عكيم إنما فيه النهي، عن الانتفاع بأهب الميتة- والإهاب: هو الجلد الذي لم يدبغ، كما قاله النضر بن شميل، وقال الجوهري: الإهاب الجلد ما لم يدبغ، والجمع: أهب- وأحاديث الدباغ: تدل على الاستمتاع بها بعد الدباغ، فلا تنافي بينهما.

وهذه الطريقة حسنة لولا أن قوله في حديث ابن عكيم : كنت رخصت [ ص: 68 ] لكم في جلود الميتة فإذا أتاكم كتابي فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ، والذي كان رخص فيه هو المدبوغ، بدليل حديث ميمونة.

وقد يجاب عن هذا من وجهين:

أحدهما: أن هذه الزيادة لم يذكرها أحد من أهل " السنن" في هذا الحديث، وإنما ذكروا قوله صلى الله عليه وسلم : لا تنتفعوا من الميتة... الحديث ، وإنما ذكرها الدارقطني، وقد رواه خالد الحذاء، وشعبة، عن الحكم، فلم يذكرا: كنت رخصت لكم ، فهذه اللفظة في ثبوتها شيء.

والوجه الثاني: أن الرخصة كانت مطلقة غير مقيدة بالدباغ، وليس في حديث الزهري ذكر الدباغ، ولهذا كان ينكره، ويقول: "يستمتع بالجلد على [ ص: 69 ] كل حال"، فهذا هو الذي نهى عنه أخيرا، وأحاديث الدباغ قسم آخر، لم يتناولها النهي، وليست بناسخة ولا منسوخة، وهذه أحسن الطرق.

ولا يعارض ذلك نهيه، عن جلود السباع، فإنه نهى عن ملابستها باللبس والافتراش كما نهى، عن أكل لحومها، لما في أكلها ولبس جلودها [ق219] من المفسدة، وهذا حكم ليس بمنسوخ، ولا ناسخ أيضا، وإنما هو حكم ابتدائي رافع لحكم الاستصحاب الأصلي.

وبهذه الطريقة تأتلف السنن، وتستقر كل سنة منها في مستقرها، وبالله التوفيق.

التالي السابق


الخدمات العلمية