صفحة جزء
4692 555 \ 4527 - وعن عمر مولى غفرة، عن رجل من الأنصار، عن حذيفة وهو ابن اليمان رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لكل أمة مجوس، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر، من مات منهم، فلا تشهدوا جنازته، ومن مرض منهم، فلا تعودوهم، وهم شيعة الدجال، وحق على الله أن يلحقهم بالدجال .

فيه مجهول، وعمر هذا لا يحتج به.


قال ابن القيم رحمه الله: هذا المعنى قد روي، عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر، وحذيفة، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ورافع بن خديج.

[ ص: 187 ] فأما حديث ابن عمر وحذيفة: فلهما طرق، وقد ضعفت.

وأما حديث ابن عباس، فرواه الترمذي من حديث القاسم بن حبيب، وعلي بن نزار، عن نزار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: القدرية، والمرجئة ، قال هذا حديث حسن غريب.

ورواه من حديث محمد بن بشر، حدثنا سلام بن أبي عمرة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما حديث جابر: فرواه ابن ماجه في "سننه"، عن محمد بن [ ص: 188 ] المصفى، حدثنا بقية، عن الأوزاعي، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر - يرفعه - نحو حديث ابن عمر.

فلو قال بقية : " حدثنا الأوزاعي " مشى حال الحديث، ولكن عنعنه، مع كثرة تدليسه.

وأما حديث أبي هريرة: فروى عبد الأعلى بن حماد: حدثنا معتمر بن سليمان: سمعت أبي يحدث، عن مكحول، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره رواه، عن عبد الأعلى جماعة. وله علتان:

إحداهما: أن المعتمر بن سليمان رواه، عن أبي الحر، حدثني جعفر بن الحارث، عن يزيد بن ميسرة، عن عطاء الخراساني، عن مكحول، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[ ص: 189 ] والعلة الثانية: أن مكحولا لم يسمع من أبي هريرة.

وأما حديث عبد الله بن عمرو، فيرويه عمرو بن مهاجر، عن عمر بن عبد العزيز، عن يحيى بن القاسم، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو - يرفعه - ما هلكت أمة قط إلا بالشرك بالله عز وجل، وما أشركت قط إلا كان بدء إشراكها، التكذيب بالقدر ، وهذا الإسناد لا يحتج به.

وأجود ما في الباب: حديث حيوة بن شريح: أخبرني أبو صخر، حدثني نافع، أن ابن عمر جاءه رجل، فقال: إن فلانا يقرأ عليك السلام، فقال: إنه قد بلغني أنه قد أحدث، فإن كان قد أحدث، فلا تقرأه مني السلام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يكون في هذه الأمة - أو أمتي (الشك منه - خسف، ومسخ أو قذف في أهل القدر ، قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.

[ ص: 190 ] والذي صح، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ذمهم من طوائف أهل البدع: الخوارج، فإنه قد ثبت فيهم الحديث من وجوه كلها صحاح; لأن مقالتهم حدثت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكلمه رئيسهم.

وأما الإرجاء، والرفض، والقدر، والتجهم، والحلول، وغيرها من البدع، فإنها حدثت بعد انقراض عصر الصحابة.


وبدعة القدر: أدركت آخر عصر الصحابة، فأنكرها من كان منهم حيا، كعبد الله بن عمر، وابن عباس، وأمثالهم، وأكثر ما يجيء من ذمهم، فإنما هو موقوف على الصحابة، من قولهم فيه.

ثم حدثت بدعة الإرجاء بعد انقراض عصر الصحابة ، فتكلم فيها كبار [ ص: 191 ] التابعين الذين أدركوها، كما حكيناه عنهم.

ثم حدثت بدعة التجهم بعد انقراض عصر التابعين، واستفحل أمرها، واستطار شرها في زمن الأئمة، كالإمام أحمد وذويه.

ثم حدثت بعد ذلك بدعة الحلول، وظهر أمرها في زمن الحلاج.

وكلما ظهرت بدعة من هذه البدع وغيرها: أقام الله لها من حزبه وجنده من يردها، ويحذر المسلمين منها، نصيحة لله ولكتابه ولرسوله، [ق237] ولأهل الإسلام، وجعله ميزانا ومحكا، يعرف به حزب رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي سنته، من حزب البدعة وناصرها.

وقد جاء في أثر لا يحضرني إسناده : " إن لله عند كل بدعة، يكاد بها الإسلام وليا، ينطق بعلاماته، فاغتنموا تلك المجالس، وتوكلوا على الله، فإن الرحمة تنزل عليهم.

[ ص: 192 ] نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم، وأن يلحقنا بهم، وأن يجعلنا لهم خلفا، كما جعلهم لنا سلفا، بمنه وكرمه.

التالي السابق


الخدمات العلمية