الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

صفحة جزء
المبحث الخامس: شروط الموصي والموصى إليه

وفيه مطالب:

المطلب الأول: شروط الموصي

المراد بالموصي: هو الآمر بالتصرف بعد الموت.

ويشترط له شروط:

الشرط الأول: العقل.

فيشترط أن يكون الموصي عاقلا باتفاق الأئمة، فلا تصح وصية من زال عقله بجنون أو غطي عليه بسكر أو إغماء.

ودليل ذلك:

1- حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «رفع القلم عن ثلاثة: وعن المجنون حتى يفيق».

2- ولأنه لا عبارة لهؤلاء ولا حكم لكلامهم.

[ ص: 21 ] الشرط الثاني: البلوغ.

اتفق الفقهاء على أنه لا تصح وصاية صبي غير مميز; إذ لا عبارة له، ولأنه يولى عليه، فمن باب أولى أن لا يلي أمر غيره.

أما الصبي المميز: فقد اختلف الفقهاء في وصايته، فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة في رواية: إلى أنه لا تصح وصاية الصبي المميز، إلا أن الحنفية استثنوا: ما إذا كانت الوصاية في تجهيزه وأمر دفنه فتصح منه.

وذهب المالكية، والحنابلة -على الصحيح من المذهب- والشافعية في قول: إلى صحة وصاية الصبي المميز; لأنها تصرف تمحض نفعا له، فصح منه كالإسلام والصلاة.

واشترط المالكية لصحة الوصاية من المميز: أن يكون ممن يعقل القربة كما قيد بعض الحنابلة صحة الوصاية من المميز بأن يكون قد جاوز العشر.

وانظر بحث شروط الوصي في باب الموصي والموصى له: شرط البلوغ.

وقد تقدم التفصيل في هذه المسألة.

الشرط الثالث: الحرية.

اختلف الفقهاء في اشتراط أن يكون الموصي حرا على قولين:

القول الأول: صحة الوصاية إلى العبد في غير المال، سواء كان مكاتبا، أم مدبرا، أم أم ولد، أم غيرهم.

وبه قال الحنابلة.

[ ص: 22 ] وحجته:

(269) 1- ما رواه البخاري من طريق شعبة، عن أبي التياح، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة».

فدل على أنه أهل للولاية في الجملة.

2- ولأن له عبارة صحيحة وأهلية تامة.

القول الثاني: أنه يشترط أن يكون الموصي حرا.

وبه قال الحنفية، والمالكية، والشافعية.

وحجته:

1- أن الرق ينافي الولايات المتعدية كولاية القضاء والشهادة والتزويج وغيرها; لأنها تنبئ عن القدرة الحكمية; إذ الولاية تنفيذ القول على الغير شاء أو أبى، والرق عجز حكمي.

2- أن الأصل في الولايات ولاية المرء على نفسه، ثم التعدي منه إلى غيره عند وجود شرط التعدي، ولا ولاية للعبد على نفسه، فكيف يتعدى إلى غيره.

ونوقش هذا الاستدلال بهذين الدليلين: بأنها لا تخلو إما أن تكون استدلالا بمحل النزاع، أو قياسا على مختلف فيه.

الراجح -والله أعلم- هو القول الأول; إذ الأصل تساوي الأحرار والأرقة في الأحكام البدنية المحضة، إلا لدليل.

[ ص: 23 ] الشرط الخامس: الولاية.

يشترط في الموصي أن تكون له ولاية على من يوصي عليه.

وذكر الشافعية ضمن شروط الموصي: أن لا يكون للطفل من يستحق الولاية; لأن مستحق الولاية بنفسه أقوى ممن يستحقها بغيره، فعلى هذا لو أوصى الأب بالولاية على أطفال وهناك جد كانت الوصية باطلة ولم يشترط بقية الفقهاء هذا الشرط.

الشرط السادس: الإسلام.

الكافر ليس من أهل الولاية بالنسبة للمسلم، فلا يصح إيصاء الكافر إلى غيره على أولاده المسلمين.

لقوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا

وأما إيصاء الكافر على الكافر فسيأتي في شروط الموصى إليه.

الشرط السابع: الرشد.

اختلف الفقهاء في اشتراط كون الموصي رشيدا على قولين:

القول الأول: عدم اشتراطه فيصح إيصاء السفيه على أولاده.

وبه قال الحنفية والشافعية.

وحجته: أن السفه لا ينافي الأهلية، ولا شيئا من الأحكام سوى ما يتعلق بالمال.

القول الثاني: اشتراط كون الموصي رشيدا.

[ ص: 24 ] وذهب المالكية إليه والحنابلة، فليس للأب السفيه أن يوصي على ولده وإنما ينظر له الحاكم; لأن الأب السفيه لا يملك التصرف على ولده بنفسه فوصيه أولى.

وقال المرداوي: «ظاهر كلام كثير من الأصحاب في باب الموصى إليه صحة وصية السفيه على أولاده، وهو أولى بالصحة من الوصية بالمال».

الراجح: -والله أعلم- هو القول الأول; لقوة دليله.

الشرط الثامن: العدالة.

اختلف الفقهاء في اشتراط العدالة في الموصي على قولين:

فذهب الحنفية، وهو ظاهر قول المالكية، والحنابلة إلى عدم اشتراط العدالة في الموصي، فتصح وصاية الفاسق.

لعموم أدلة الولاية.

وذهب الشافعية: إلى اشتراط العدالة في الموصي، فلا تصح وصاية الفاسق عندهم; لأن الفاسق ليس له ولاية، فكان أولى أن لا تصح منه تولية.

الراجح -والله أعلم- هو القول الأول; لقوة دليله.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية