الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

صفحة جزء
المسألة الثانية: تعريف المرض في الاصطلاح:

المرض في الاصطلاح : حالة للبدن يزول بها اعتدال الطبيعة .

والمقصود هنا مرض الموت.

وقيل في تعريفه : هو المرض الذي يحكم أهل الخبرة بكثرة الموت من مثله ، وإن لم يكن غالبا .

وهو المشهور عند المالكية ، وقول عند الشافعية.

والمراد بالكثرة : أن لا يتعجب من صدور الموت منه، ولو لم يكن غالبا منه .

ويحترز بذلك من نحو وجع الضرس، والرمد ونحو ذلك، فإنه يتعجب من صدور الموت عن مثل ذلك.

وعن الإمام مالك: "أنه كل مرض أقعد صاحبه عن الدخول والخروج".

وقيل : هو الذي يخاف منه الموت غالبا .

وهو قول الحنفية، وبعض المالكية ، وبه قال الشافعي.

وقيل : هو الذي أضناه المرض، وصار صاحب فراش .

وهو قول الحنفية.

وقيل : "ما لا يقدر صاحبه أن يقوم إلا أن يقام" . [ ص: 281 ]

وقيل: "إذا كان يخطو ثلاث خطوات من غير أن يستعين بغيره فصحيح، وإلا فمريض" .

وقيل: "أن لا يقدر على الصلاة إلا جالسا " .

وهذه أقوال للحنفية.

وقيل : هو كل ما يستعد الإنسان بسببه لما بعد الموت من العمل الصالح كالقولينج، وذات الجنب، والرعاف الدائم ، والإسهال المتواتر مع قيام الدم، والسل في انتهائه، والفالج في ابتدائه، والحمى المطبقة.

وهو قول عند الشافعية .

وقال شيخ الإسلام: "ليس معنى المرض المخوف الذي يغلب على الظن [ ص: 282 ] الموت منه، أو يتساوى في الظن جانب البقاء والموت... وإنما الغرض أن يكون سببا صالحا للموت فيضاف إليه ، ويجوز حدوثه عنده".

وأقرب ما يقال : ما يكثر حصول الموت منه ، فلا عبرة بما يندر وجود الموت منه .

وهناك أمراض شاعت في زماننا أشد خطورة من هذه كالسرطان والإيدز، نسأل الله العافية، وعلى أية حال، فإن الفقهاء متفقون على أنه لا بد فيه من تحقيق شرطين:

الأول: أن يتصل به الموت .

الثاني : أن يكون المرض مخوفا.

والأقرب: أن يقال : إن المرجع في معرفة كونه مخوفا أو غير مخوف إلى أهل الخبرة وأهل العلم به ، فإن قالوا: بأن هذا المرض مخوف، فتصرف صاحبه تصرف المريض، وإن قالوا: غير مخوف، فتصرفه تصرف الصحيح.

فرع: إذا مات المريض بسبب آخر:

اتفق الفقهاء على أن المرض لا أثر له في التبرع إلا إذا اتصل به الموت، أما لو برئ المريض من مرضه فإن جميع تبرعاته تصح نافذة وتعتبر صحيحة ; لأنها صدرت من الأهل في المحل ولا مانع من نفاذها.

ولو مات المريض بسبب آخر في أثناء المرض، كما لو مات بسبب غرق [ ص: 283 ] ونحو ذلك، فإن تبرعاته تعتبر صادرة من مريض مرض الموت، فيضاف الموت من حيث الحكم إلى المريض الأصلي بقطع النظر عن السبب الطارئ.

وإلى هذا ذهب الحنفية ، والشافعية، والحنابلة .

ويرى عيسى بن أبان - الحنفي - أن المريض لو مات بسبب آخر كما مثلنا، فإن تبرعاته تكون نافذة كالصحيح.

وحجته : أن مرض الموت ما يكون سببا للموت، ولما مات بسبب آخر علمنا أن مرضه لم يكن مرض الموت.

وأجيب : بأن الموت اتصل بمرضه حيث لم يصح حتى مات، فكان مرضه مرض الموت، وقد يكون للموت سببان المرض والحادث الطارئ.

التالي السابق


الخدمات العلمية