المبحث الثاني 
ولاية الموقوف عليه على الوقف 
إذا لم يشترط الواقف النظر لأحد، فإن الوقف لا يخلو من إحدى حالتين : 
الحال الأولى: أن يكون الوقف على غير محصورين، كالفقراء والمساكين، أو على مسجد، أو مدرسة، ونحو ذلك : 
إذا كان الوقف على جهة عامة، فالنظر على الوقف يكون للقاضي خاصة. 
قال 
الدردير   : "إن لم يجعل ناظرا، فإن كان المستحق معينا رشيدا فهو الذي يتولى أمر الوقف، وإن كان غير رشيد فوليه ، وإن كان المستحق غير معين - كالفقراء - فالحاكم يولي عليه من شاء، وأجرته من ريعه ، وكذا إن كان الوقف على ... كمسجد". 
وقال 
المرداوي:   "محل الخلاف إذا كان الموقوف عليه معينا، أو جمعا محصورا، فأما إن كان الموقوف عليهم غير محصورين - كالفقراء والمساكين - أو على مسجد، أو مدرسة، أو قنطرة أو رباط، أو نحو ذلك، فالنظر فيه للحاكم قولا واحدا" .  
[ ص: 376 ] 
والدليل على هذا: 
ا- حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة  رضي الله عنها ، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=54782 "والسلطان ولي من لا ولي له". 
2- أن الوقف في هذه الحال ليس له مالك متعين ينظر فيه، فيكون النظر فيه للقاضي. 
الحال الثانية: أن يكون الوقف على معين محصور: 
وفي هذه الحال اختلف الفقهاء فيمن يستحق النظر على الوقف، وذلك على قولين: 
القول الأول: أن 
النظر على الوقف إذا كان الموقوف عليه معينا محصورا يستحقه الموقوف عليه. 
وبهذا قال بعض 
الحنفية،  وبه قال 
المالكية،  وبعض 
الشافعية  ، وهو المذهب عند 
الحنابلة.  
القول الثاني: أن النظر على الوقف إذا كان الموقوف عليه معينا محصورا يستحقه القاضي، وله أن يولي عليه من يشاء. 
وهذا هو القول المفتى به عند 
الحنفية،  وهو المذهب عند  
[ ص: 377 ] الشافعية  ، وبه قال بعض 
الحنابلة.  
الأدلة: 
أدلة القول الأول: 
استدل أصحاب هذا القول بما يلي: 
1- أن الوقف ملك للموقوف عليه، ونفعه له، فكان نظره إليه، كملكه المطلق . 
ونوقش هذا الاستدلال : بعدم التسليم بأن الوقف ملك للموقوف عليه ، بل الراجح أنه ملك لله سبحانه وتعالى - كما سبق تحريره. 
2- أنه مالك لنفعه وثمرته، فكان أولى بولايته . 
3- أن ولاية الموقوف عليهم على الوقف تنفي ما يشكو منه المستحقون للوقف من استغلال النظار للغلة بعدم إيصال الحقوق إليهم وأكلها . 
4- أن الموقوف عليهم أحرص من غيرهم على نماء الوقف وإدارته، والمحافظة عليه بترميمه وعمارته ; لأنهم يشعرون أن الغلة لهم، وأن النماء سيعود بالربح الوفير لهم، فهم يحافظون عليه محافظة المالك المطلق على ملكه. 
5- أن تولية الموقوف عليه على الوقف تمنع اقتطاع جزء من غلة الوقف لإعطائها كأجر للمتولي الأجنبي، وهو مال ليس بالقليل، فأحرى أن يستفيد منه المستحقون .  
[ ص: 378 ] 
أدلة القول الثاني: (أن النظر للقاضي) : 
استدل أصحاب هذا القول بما يلي: 
1- حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة  رضي الله عنها ، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=54782 "والسلطان ولي من لا ولي له". 
ويدخل في ذلك الولاية على الوقف إذا كان على محصورين، ولا ناظر له. 2- أن ملكية الوقف تنتقل إلى الله سبحانه وتعالى ، فالحاكم ينوب فيه ويصرفه إلى مصارفه ; لأنه مال الله ، فكان النظر فيه إلى حاكم المسلمين، كالوقف على المساكين . 
ونوقش هذا الاستدلال: بالفرق; إذ الوقف على المساكين وقف على جهة عامة، بخلاف مسألتنا فهو وقف على جهة خاصة. 
3- أن النظر على الوقف يتعلق به حق الموجودين من الموقوف عليهم، وحق من يأتي من البطون، فلا يستقل به الموجود، بل يكون نظره إلى الحاكم . 
ونوقش هذا الاستدلال : بالتسليم، فحق الموقوف عليه من النظر ينقطع بموته، ولا يملك تأجيره مدة طويلة ; احتياطا لمن بعده من البطون كما تقدم تحريره . 
4- أن للقاضي النظر العام، فكان أولى بالنظر على الوقف.  
[ ص: 379 ] 
ونوقش هذا الاستدلال: بأنه استدلال في محل النزاع. 
5- أنه لا حق للموقوف عليه في التصرف في الوقف، إنما حقه في أخذ الغلة. 
ونوقش هذا الاستدلال: بأن النظر ليس تصرفا في عين الوقف، وإنما هو استثمار لتلك العين، وما دام أن الغلة للموقوف عليه فلا مانع من أن يتولى تحصيل الغلة. 
الترجيح : 
الراجح - والله أعلم - هو القول الأول القائل بأن النظر على الوقف إذا كان الموقوف عليه معينا محصورا يستحقه الموقوف عليه، وإن كانت ملكية العين الموقوفة تنتقل إلى الله سبحانه وتعالى - فإن ثمرته ومنفعته تكون للموقوف عليه ، فكان أولى به من الأجنبي الذي يرتبه القاضي، ولأنه إذا كانت الولاية له دعاه ذلك إلى المحافظة عليه ، وتنميته، وتكثير نفعه; إذ سيعود عليه .  
[ ص: 380 ]