الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

صفحة جزء
القسم الخامس:

أن يكون هناك مهاداة معتادة بين الموظف والمهدي لنحو قرابة أو صداقة مع زيادة الهدية، ولا حاجة له عند الموظف تتعلق بوظيفته.

تثبت العادة في الهدية بالمرة الواحدة، ومن المعتادة هدية القريب والصديق الذي استغنى، وهديته تناسب غناه، ومن المعتادة زيادة الهدية بزيادة المال.

فإذا زادت الهدية فوق المعتادة ومال المهدي لم يزدد، فاختلف الفقهاء في قبول الموظف لهذه الهدية على ثلاثة أقوال:

القول الأول: يكره للموظف قبول الزيادة فقط.

وإليه ذهب الحنفية.

واستدلوا: إنما كرهت الزيادة عليها; خشية كونها بسبب الوظيفة.

[ ص: 338 ] ولعل عدم تحريم هذه الهدية، وزيادتها; لعدم وجود التهمة فيها بالرشوة; لوجود أصل الهدية المباح قبولها.

القول الثاني: تحرم الهدية كلها.

استظهره الدسوقي.

واستدلوا: بقياس هذه الهدية على صفقة جمعت حلا وحراما، فإنه يحرم جميعها.

القول الثالث: إن كانت الزيادة في صفة الهدية، حرم الجميع، وإن كانت في قدرها، حرمت الزيادة فقط.

وإليه مال ابن عابدين، وهو مذهب الشافعية.

واستدلوا: أن الزيادة إذا كانت في الصفة، لم تتميز فلم يمكن فصلها، أما إذا كانت في القدر، فإنه يمكن تميزها فحرمت هي فقط; لأنها هي التي فيها التهمة بالرشوة; لأن الظاهر أنها بسبب الوظيفة، وهي حق للمسلمين وليس للموظف، فلا يحل له قبول ما أهدي إليه بسببها.

الترجيح:

الراجح: تحريم الزيادة فقط; إذ النهي متعلق بهذه الزيادة.

القسم السادس:

الهدية للموظف ممن له حاجة عنده تتعلق بوظيفته، وهو من غير ذي [ ص: 339 ] رحمه المحرم، وكان يهدي له قبل توليته الوظيفة، وهديته لم تتغير بزيادة بعد توليته.

اختلف الفقهاء في قبول الموظف لهذه الهدية على قولين:

القول الأول: يكره للموظف قبولها.

وإليه ذهب الحنفية.

ويمكن الاستدلال له: أن التهمة بالرشوة منتفية هنا; لوجود مثل هذه الهدية قبل توليته الوظيفة; فظاهر هذه الهدية أنها لاستمرار ما كان قبلها لا لميل في قضاء هذه الحاجة.

القول الثاني: يحرم على الموظف قبول هذه الهدية.

وإليه ذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة.

واستدلوا: أن في هذه الهدية ممايلة للمهدي، وذريعة إلى الرشوة في الحكم إن كان الموظف قاضيا، فيندرج في الذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا.

الترجيح:

الراجح - والله أعلم - القول الأول; إذ السنة دلت على التحريم إذا كان ذلك من أجل الوظيفة، كما تقدم في القسم الثالث من الآثار.

القسم السابع:

الهدية للموظف ممن لم يكن يهدى له قبل توليته الوظيفة، وبذلها للموظف بعد إنهائه حاجته المتعلقة بوظيفته.

[ ص: 340 ] اختلف الفقهاء في قبول الموظف هذه الهدية على أقوال:

القول الأول: أنها لا تحل.

وهو وجه عند الشافعية.

وحجته: ما تقدم من الأدلة الدالة على تحريم قبول هدايا العمال.

القول الثاني: يكره للموظف قبول هذه الهدية ولا يحرم.

وإليه ذهب الحنفية.

وفي الفتاوى لابن باز: "أقوم بتدريس القرآن الكريم في جمعية خيرية، وبعد إعطاء الشهادات للطلبة يقدمون لي هدية جماعية، هذه الهدية لا تؤثر في تقدير الطالب، فهل أقبل هديتهم؟ ج: إذا كانت الهدية بعد الفراغ من النظر في درجاتهم، وبعد الفراغ من الشهادات، وبعد الانتهاء من العمل في هذه الجمعية، فلا حرج في ذلك; لعموم الأدلة الدالة على شرعية قبول الهدية، والله ولي التوفيق".

واستدلوا: أن هذه الهدية ليست كالرشوة; لأنها تبذل بعد إنهاء الحاجة، والرشوة متقدمة عليها، وإنما كرهت خوف الشبهة.

القول الثالث: الهدية إن كانت على فعل جميل من الموظف، فإن كان واجبا عليه، حرم عليه قبولها، أما إذا لم يكن واجبا عليه، وكانت الهدية لغير سبب منه، كره له قبولها، إلا أن يكافئ عليها بمثلها.

وهو وجه عند الشافعية.

[ ص: 341 ] واستدلوا: أن الموظف إذا كان متبرعا بفعله الجميل; يصير مكتسبا لهذه الهدية بمجاملته، ومعتاضا على جاهه، وهما بالوظيفة، فلا تحل بهما الهدية - بلا كراهة - وإن كان فعل الجميل مما يجب عليه بوظيفته، ففي الهدية تهمة اعتياضية على أدائه الحق الواجب عليه.

الترجيح:

الأقرب - المنع مطلقا - ; لقوة دليله، ولما فيه من سد ذريعة الاكتساب بالوظيفة، ودرء شبهة التهمة بالرشوة، ولعموم أحاديث النهي عن هدايا العمال.

القسم الثامن:

الهدية للموظف ممن لا حاجة له عند الموظف تتعلق بوظيفته، ولم يقصد بها استمالة قلبه، وكان يهدي له قبل توليته الوظيفة لقرابة ونحوها، ولم تزد الهدية بعد الوظيفة فوق المعتاد إلا بزيادة مال المهدي:

تباح هذه الهدية; لانتفاء الاتهام فيها بالرشوة، ولعدم المجازاة بها على عمل; (162 ) لما روي أن زيد بن ثابت رضي الله عنه: "كان يهدي لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لبنا فيقبله، حتى اقترض زيد مالا من بيت المال، وأهدى اللبن، فرده عمر، فقال زيد: لم رددته؟ فقال: لأنك اقترضت من بيت المال مالا، فقال زيد: لا حاجة لي في مال يقطع الوصلة بيني وبينك، فرد المال، وأهدى اللبن، فقبله".

[ ص: 342 ] فعمر رضي الله عنه رد اللبن على زيد رضي الله عنه حين كان لزيد حاجة عنده، مع أن زيدا كان قبل ذلك يهديه إليه، ولم ينكر زيد على عمر رده لهديته، ولم يرد عمر هدية زيد بعد إرجاعه المال، فدل على جواز هذه الهدية.

وعند المالكية وجه: يكره قبول هذه الهدية.

وعند الشافعية وجه: لا يحل للموظف قبول هذه الهدية.

وذلك خشية أن تحدث للمهدي حاجة ينسب بها الموظف إلى الممايلة للمهدي.

القسم التاسع:

الهدية للموظف من أصوله وفروعه، وذوي رحمه المحرم كأخيه، ونحو ذلك.

فإن لم يكن له حاجة فجائز; لبعد التهمة، ولقوة صلة الرحم من الموظف والمهدي.

وإن كان له حاجة، فاختلف الفقهاء في قبول الموظف هذه الهدية على قولين:

القول الأول: لا يباح للموظف قبولها.

وإليه ذهب الحنفية في قول.

واستدلوا: أن هذه هدية تلحق التهمة بطلب المهدي ميل الموظف إليه في حاجته المتعلقة بوظيفته.

[ ص: 343 ] القول الثاني: يباح للموظف قبول هذه الهدية.

وإليه ذهب الحنفية في قول، والمالكية، والشافعية.

واستدلوا: أن هذه الهدية لا تدخل بها الظنة على الموظف; للصلة بينه وبين المهدي; لجمع الرحم من الحرمة في ميل القلب أكثر من حرمة الهدية، فهي لصلة الرحم بينهما.

الترجيح:

الراجح - والله أعلم - أن يقال أنه يرجع إلى القرائن، فإن دلت على أن سببها الوظيفة منعت، وإن كان سببها الصلة جازت; لما فيه من الجمع بين القولين.

التالي السابق


الخدمات العلمية