الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

صفحة جزء
المطلب الثالث: إنكار شرط العوض في الهبة

إذا ادعى الواهب شرط العوض، فأنكر الموهوب له، فقد اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن القول قول الموهوب له مع يمينه.

وهذا قول الحنفية، وأصح الوجهين عند الشافعية، والمذهب عند الحنابلة.

القول الثاني: أن القول قول الواهب.

وهذا وجه للشافعية، ووجه للحنابلة.

القول الثالث: إن كان مثل الواهب يطلب العوض على هبته فالقول قوله [ ص: 401 ] مع يمينه، وإن لم يكن فالقول قول الموهوب له مع يمينه، فإن أشكل ذلك واحتمل الوجهين، فالقول قول الواهب مع يمينه.

وهذا قول المالكية.

الأدلة:

أدلة القول الأول: (أن القول قول الموهوب له ) :

استدل أصحاب هذا القول بالأدلة الآتية:

(186 ) 1 - ما رواه البخاري من طريق أبي مليكة، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم".

2 - أن الواهب أقر له بالهبة وادعى بدلا الأصل عدمه.

ويناقش: بأن الأصل قد يترك إذا عارضه ظاهر أقوى منه، كما لو كان من عادة الواهب طلب العوض.

3 - أن الموهوب له منكر لشرط العوض، والقول قول المنكر مع يمينه.

وقد يناقش من وجهين: الأول:

أن الواهب منكر لعدم العوض.

الثاني: أن الواهب قد يترجح إنكاره إذا كان له عادة بشرطه.

دليل القول الثاني: (أن القول قول الواهب ) :

استدل أصحاب هذا القول: [ ص: 402 ] 1 - ما تقدم من آثار الصحابة رضي الله عنهم أن الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها.

2 - الواهب لم يقر بخروج الشيء من ملكه إلا ببدل.

ونوقش: بأنها محمولة على العرف.

وأيضا: بأن مطلق الهبة لا يقتضي بدلا، ولو أراد الواهب العوض لاشترطه; لأنه خلاف الأصل.

دليل القول الثالث: (الرجوع إلى العرف، وإلا فالقول قول الواهب ) :

أولا: دليلهم على الرجوع إلى العرف في ذلك:

بأن العرف إن وجد فهو قائم مقام الاشتراط; لأن المعروف عرفا كالمشروط شرعا.

ويناقش: بأن العرف قد لا يكون مطردا، فالرجوع إلى الأصل - وهو عدم العوض - أولى.

ويجاب: بأن المدار على ما إذا كان هناك عادة مطردة.

ثانيا: استدلوا على أن القول قول الواهب إن لم يكن عرف:

بما استدل به أصحاب القول الثاني.

ويناقش: بما نوقش به هناك.

الترجيح:

الراجح - والله أعلم - القول الأول، أن القول قول الموهوب له في عدم اشتراط العوض في الهبة; وذلك لقوة أدلة هذا القول في الجملة.

[ ص: 403 ] إلا أن يؤيد الواهب عادة مطردة في اشتراط العوض، فيقدم; لقوة هذا الظاهر، وهو العادة المطردة; إذ من القواعد الشرعية أن "العادة محكمة"، و"أن المعروف عرفا كالمشروط شرعا"، ويؤيده ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم: أن الواهب أحق بهبته ما لم يثب عليها.

التالي السابق


الخدمات العلمية