الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

صفحة جزء
المبحث الثاني: حكم العمرى

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: العمرى في العقار

وصورتها: أن يقول الرجل: أعمرتك داري هذه، أو هي لك عمرى، أو ما عشت، أو مدة حياتك، أو ما حييت، أو نحو هذا.

اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في حكم العمرى في العقار على قولين:

القول الأول: أنها جائزة.

وهو قول جمهور العلماء: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية.

القول الثاني: أنها لا تصح العمرى.

وبه قال بعض الفقهاء. [ ص: 12 ]

الأدلة:

أدلة الرأي الأول: (جواز العمرى):

(227) 1- ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سلمة، عن جابر -رضي الله عنه- قال: "قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعمرى أنها لمن وهبت له".

(228) 2- ما رواه مسلم من طريق أبي الزبير، عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم: "أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها، فإن من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيا وميتا ولعقبه".

(229) 3- ما رواه مسلم من طريق أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر، وفي حديث أيوب من الزيادة قال: جعل الأنصار يعمرون المهاجرين، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أمسكوا عليكم أموالكم".

(230) 4- ما رواه مسلم من طريق أبي سلمة، عن جابر -رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أعمر رجلا عمرى له ولعقبه، فقد قطع قوله حقه فيها، وهي لمن أعمر ولعقبه" غير أن يحيى قال في أول حديثه: "أيما رجل أعمر عمرى فهي له ولعقبه".

فهذه الأحاديث صريحة في صحة العمرى.

(231) 5- ما رواه الإمام أحمد من طريق حجاج، عن أبي الزبير، عن طاوس، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أعمر عمرى [ ص: 13 ] فهي لمن أعمرها جائزة، ومن أرقب رقبى فهي لمن أرقبها جائزة، ومن وهب هبة ثم عاد فيها فهو كالعائد في قيئه" (مرسل) . [ ص: 14 ]

6- ما سيأتي أيضا من الأحاديث، وآثار الصحابة -رضي الله عنهم- في المسائل الآتية من صحة العمرى.

دليل الرأي الثاني: (عدم صحة العمرى):

حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا ترقبوا ولا تعمروا، فمن أرقب شيئا أو أعمره فهو لورثته".

وأجيب عنه: قال ابن قدامة: "فأما النهي فإنما ورد على سبيل الإعلام لهم إنكم إن أعمرتم أو أرقبتم يعد للمعمر والمرقب، ولم يعد إليه منكم شيء، وسياق الحديث يدل عليه، فإنه قال: فمن أعمر عمرى، فهي لمن أعمرها حيا وميتا ولعقبه". [ ص: 15 ]

الترجيح:

الراجح -والله أعلم- ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من صحة العمرى; لقوة دليله، ومناقشة دليل القول الآخر.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية