الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

صفحة جزء
5 - ما ورد عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: "ما بال أحدكم يتصدق على ولده بصدقة لا يحوزها ولا يقسمها، يقول: أنا إن مت كانت له، وإن مات هو [ ص: 69 ] رجعت إلي، وايم الله لا يتصدق منكم رجل على ولده بصدقة لم يحزها ولم يقسمها ثم مات إلا صارت ميراثا لورثته".

وجه الاستدلال: أن الهبة للولد إذا لم تقبض أو تقسم -إن كانت من مال مشترك- لا تلزم، ومفهوم ذلك: أنها إن قبضت لزمت، ولم يصح الرجوع فيها.

ونوقش: بالاعتراض الثالث على الأثر الوارد في نحلة أبي بكر لعائشة -رضي الله عنها- إذ إن مقتضاه: أن العطية للولد إذا لم يقبضها حتى مات والده الذي أعطاها له عادت مال وارث، وليس فيه ما يدل على منع الوالد من العودة فيما وهبه لولده.

ولو قيل: إن مفهومه يدل لذلك لرد بأن المفهوم لا يعارض المنصوص إن كان وحيا، وأحرى إن كان اجتهادا.

6- ما ورد عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: "من وهب لذي رحم محرم هبة فقبضها، فليس له أن يرجع فيها".

7- ما ورد أيضا عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: "من وهب لذي رحم محرم هبة فقبضها فليس له أن يرجع فيها، ومن وهب هبة لغير ذي رحم محرم فله أن يرجع فيها ما لم يثب عليها".

وجه الاستدلال: أنه في كل ذي رحم محرم، والولد ذو رحم محرم، فيدخل فيهما، فيكون قبضه للهبة مانعا للوالد من الرجوع على والده. [ ص: 70 ]

ونوقش هذا الاستدلال بأمور:

الأول: أنه معارض للحديث الصريح الصحيح في جواز رجوع الأب فيما وهبه لابنه مطلقا دون تقييد بقبض أو غيره.

الثاني: أن المراد المحارم غير الأولاد؛ لأن الأولاد ورد فيهما نص خاص في جواز الرجوع في الهبة لهم.

الثالث: أن لفظ القبض لم يرد في نص الأثر.

8- ولأنها هبة يحصل بها الأجر من الله تعالى، فلم يجز الرجوع فيها كصدقة التطوع.

ونوقش من ثلاثة وجوه:

الوجه الأول: أنه يرده قول النعمان -رضي الله عنه-: "فرجع أبي في صدقته".

الوجه الثاني: أنه منقوض بهبة الأجنبي، فإن فيها أجرا وثوابا.

قال تعالى: ولا تنسوا الفضل بينكم وقد رغب النبي -صلى الله عليه وسلم- وندب إليها، وعندهم له الرجوع فيها.

الوجه الثالث: أنه قياس مع وجود النص، فلا يلتفت إليه.

9- ولأنه لو وهب بشرط الثواب فأثيب لم يرجع، وهذا قد أثيب من قبل الله تعالى في هبة الرحم، فلم يجز أن يرجع.

ونوقش: بأن من أثيب بالمال قد وصل إليه البدل، فلم يجز أن يصير [ ص: 71 ] جامعا بينه وبين المبدل، فخالف من لم يصله البدل، على أن ثواب الله تعالى إنما يستحقه غير الراجع من الآباء.

10- ولأن في الرجوع معنى قطيعة الرحم، وهذا موجود في حق الوالد مع ولده; لأنه بالرجوع يحمله على العقوق، وإنما أمر الوالد أن يحمل ولده على بره.

التالي السابق


الخدمات العلمية