الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

صفحة جزء
المبحث الثالث: رجوع غير الوالد

إذا وهب شخص آخر هبة، فهل له أن يرجع في هبته؟.

فيه مطلبان:

المطلب الأول

الرجوع في الهبة قبل القبض

اختلف أهل العلم في ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول: الرجوع في الهبة لا يجوز ولو قبل القبض.

قال به المالكية، والظاهرية.

واستدلوا: بما تقدم من الأدلة على أن الهبة تملك، تلزم بمجرد العقد، وإذا كان كذلك، فلا يجوز الرجوع فيها.

القول الثاني: أن الرجوع في الهبة جائز مع الكراهة. [ ص: 88 ]

قال به المالكية في قول، والحنابلة.

وأما الحنفية، والشافعية، فقد سبق أن الهبة لا تملك عندهم إلا بالقبض.

ودليلهم:

1- ما تقدم من الأدلة على أن الهبة قبل القبض غير لازمة، وقالوا بالكراهة؛ خروجا من خلاف من قال: إن الهبة تلزم بالعقد.

ونوقش هذا الاستدلال: بعدم التسليم، فالهبة تلزم بمجرد العقد كما سبق.

2- أن الهبة تبرع وإحسان، فكان للواهب الخيار في الرجوع فيها قبل تمامها بالقبض.

ونوقش: بأنه استدلال بمحل النزاع.

القول الثالث: أن الرجوع في الهبة جائز إذا كانت مكيلة أو موزونة، وإن كانت من غيرهما لم تجز. [ ص: 89 ]

قال به أحمد في رواية.

دليل هذا القول:

أثر عائشة السابق من قول أبي بكر -رضي الله عنه- لها: "وإني كنت نحلتك من مالي جداد عشرين وسقا، فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك ذلك، وإنما هو مال الوارث. . .".

وجه الدلالة: أن أبا بكر -رضي الله عنه- رجع في الهبة من المكيلات قبل قبض الموهوب له، فدل على جوازه، ويقاس عليه الموزونات.

ونوقش: أنه يمنع من اختصاص المكيلات والموزونات بهذا الحكم; وذلك لإمكان قياس غير المكيلات من الأموال عليها; لعدم الفرق، فكما يجوز الرجوع في الهبة من المكيلات قبل القبض، فكذلك غيرها.

الترجيح:

بعد استعراض أدلة أصحاب الأقوال السابقة، فإن الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول; لما تقدم من الأدلة على الهبة تلزم بمجرد العقد.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية