الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

صفحة جزء
الشرط الثامن عشر: أن لا يفلس الأب.

صورة ذلك: أن يهب الأب هبة لولده، ثم يحكم القاضي بتفليس الأب فهل يملك الوالد الرجوع فيما وهبه لولده بعد الحكم بتفليسه أو لا يملك ذلك; لأن التفليس يفيت عليه الفسخ؟.

القول الأول: أن الأب يملك الرجوع.

وهو مقتضى قول الحنفية، والشافعية، والحنابلة.

أما الحنفية: فلأن أبا حنيفة لا يرى صحة الحجر على المفلس كما سبق أن عرفنا.

وأما الشافعية: فلأنهم يرون كراهة رجوع الأب فيما وهبه لابنه إلا عند الحاجة، ولا شك أن الأب عند الإعسار حاجته آكد وأبين.

وأما الحنابلة: فلأن المذهب عندهم هو جواز رجوع الأب فيما وهبه لولده مشروط بشروط، وتلك الشروط متوفرة في هذه الصورة، فالعين باقية [ ص: 164 ] على ملك الولد وتحت تصرفه على حالها من غير زيادة متصلة ولم تتعلق بها رغبات الناس، وما دامت تلك الشروط متوفرة فلا مانع من الرجوع.

وحجته:

1- حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لواهب أن يرجع فيما وهبه إلا الوالد".

ففيه جواز رجوع الأب فيما وهبه لولده الذي سبق ذكره.

2- حاجة الأب لإبراء ذمته.

القول الثاني: أن الحكم بتفليس الأب يمنع الأب من الرجوع.

وبه قال المالكية.

وحجته: أن الأب إنما جاز له اعتصار الهبة من ولده لنفسه، ولم يجز له اعتصارها لغيره; فإذا رجع فيها في حال التفليس لم يصح ذلك; لأنه إنما يرجع فيها للغرماء لا لمصلحة نفسه، فلا يصح رجوعه.

ونوقش: بأنه يرجع فيها لمصلحته ولمصلحة الغرماء أيضا; فإن تخليصه من ورطة الدين مصلحة له، وإبراء لذمته، وإذا تحقق أن في رجوعه مصلحة له اتجه ضعف ما بنى عليه أصحاب هذا الرأي قولهم.

الترجيح:

يتبين من خلال ما سبق من عرض الأقوال وأدلتها في هذه المسألة: أن الراجح فيها: هو القول بجواز رجوع الأب على ولده ولو فلس الأب; وذلك [ ص: 165 ] لعموم أدلة جواز رجوع الأب فيما وهبه لولده، ولشدة حاجة الوالد في حال التفليس لما يخلصه من ورطة المطالبة.

التالي السابق


الخدمات العلمية