الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

صفحة جزء
التعريف الرابع:

إعطاء منفعة شيء مدة وجوده، لازما بقاؤه في ملك معطيه، ولو تقديرا.

وهذا عليه كثير من المالكية. [ ص: 62 ]

فقوله: « إعطاء منفعة » قيد أخرج عطية الذات، فإنها إما هبة، أو صدقة.

قوله: « مدة وجوده » أي: الموقوف، أخرج العارية، لرجوعها إلى المعير، والعمرى، لرجوعها بعد موت المعمر ملكا للمعمر، أو لوارثه.

قوله: « لازما بقاؤه في ملك معطيه » قيد خرج به العبد المخدم حياته يموت قبل موت ربه; لعدم بقائه في ملك معطيه; لجواز بيعه برضاه مع معطاه.

وهذه مسألة خلافية بين الفقهاء، وتقدم في التعريف الأول إشارة إليها.

قوله: « ولو تقديرا » يحتمل: ولو كان الملك تقديرا، كقوله: إن ملكت دار فلان فهي حبس.

ويحتمل: ولو كان الإعطاء تقديرا، كقوله: داري حبس على من سيكون.

ونوقش: أنه عبر بالمنفعة، والوقف تمليك انتفاع لا منفعة، وأنه يفيد تأبيد الوقف، والمالكية يرون صحة الوقف المؤقت، وأنه يفيد عدم صحة الحيوان، والمالكية يرون صحته.

وتطرق الاحتمال إليه بقوله: « ولو تقديرا » التعريف المختار:

التعريف الذي أميل إليه من التعاريف السابقة هو قول ابن قدامة - رحمه الله - ومن وافقه بأن الوقف: « تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة ».

وقد اخترت هذا التعريف للأسباب الآتية: [ ص: 63 ]

أولا: أن هذا التعريف اقتباس من:

(1 ) ما رواه النسائي من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه، عن عمر رضي الله عنه ، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: « حبس الأصل وسبل الثمرة ».

(2 ) وما رواه البخاري ومسلم من طريق نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: « إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها » وفي لفظ للبخاري: « تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره ».

والرسول صلى الله عليه وسلم أفصح العرب لسانا، وأكملهم بيانا، وأعلمهم بالمقصود من قوله.

ثانيا: أن هذا التعريف جامع مانع، لكونه قد سلم من الاعتراضات التي اعترض بها على التعريفات الأخرى.

ثالثا: أن هذا التعريف يؤدي المعنى الحقيقي للوقف بأقصر عبارة تفيد المقصود منه، دون الدخول في تفصيلات جانبية كبقية التعاريف الأخرى.

رابعا: أن ذكر الأركان والشروط ضمن التعريف يخرجه عن الغرض الذي وضع لأجله. [ ص: 64 ]

خامسا: أن هذا التعريف هو قدر مشترك يتفق عليه الجميع، ويختلفون فيما عداه من المسائل والضوابط، فكان أولى بالترجيح، ولذا كثر القائلون به من الفقهاء المعاصرين.

سادسا: سلامة هذا التعريف من الاعتراض; إذ إن من أبرز في التعريف شروطا وضوابط كان تعريفه محل اعتراض من مخالفيه، وأما من اقتصر على الحقيقة فهو سالم من المعارضة.

سابعا: أن في هذا التعريف إبرازا لمقصد من أهم مقاصد الوقف، وهو الابتداء والدوام، وهذا ظاهر في التحبيس والتسبيل.

ثامنا: العلاقة الظاهرة في هذا الحد بين التعريف اللغوي والشرعي.

التالي السابق


الخدمات العلمية