الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

صفحة جزء
المطلب الثاني: القسم الثاني: المرض المخوف

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: هبة المريض مرض الموت من حيث القدر:

اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في حكم هبة المريض مرض الموت لوارث، أو بأزيد من الثلث.

القول الأول: أن هبة المريض وعطيته لغير وارث من الثلث فأقل.

ذهب إليه جمهور العلماء: الحنفية، والمالكية، والشافعية، [ ص: 255 ] والحنابلة، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية له رحمه الله.

القول الثاني: إنه لا يحجر عليه في شيء من ماله، فهو كالصحيح سواء.

وهو قول طاوس، ومجاهد، وابن حزم، وداود الظاهري، إلا أنه استثنى العتق فجعله من الثلث.

أدلة الرأي الأول: (أن هبة المريض مرض الموت من الثلث لغير وارث)

(267) 1- ما رواه ابن ماجه من طريق طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم". [ ص: 256 ]

وجه الاستشهاد: أنه أخبر ألا زيادة لهم على الثلث، فدل على الحجر على ما زاد عليه، ومنعهم من التصدق به.

نوقش من وجهين:

الوجه الأول: الحديث ضعيف، وقد روي من طرق كلها ضعيفة.

أجيب عليه: أنها وإن كانت ضعيفة، لكن قد يقوي بعضها بعضا. [ ص: 257 ]

الوجه الثاني: على التسليم بصحة الحديث، فالحديث المراد به الوصية عند الموت، ونحن متفقون معكم على أن الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث، ويدل على ذلك: أنه لم يأت في الحديث ذكر للمرض أصلا، فما الذي حملكم أن جعلتموه في المرض المخوف؟.

وأجيب: بأنه قال: "عند وفاتكم" ولم يقل: بعد وفاتكم، مما يدل على أن التبرع المقيد بالثلث إنما كان حال الحياة.

(268) 2- وروى البخاري ومسلم من طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: "لا" فقلت: بالشطر؟ فقال: "لا"، ثم قال: الثلث والثلث كبير أو كثير".

وجه الاستشهاد: أنه لم يأذن له في الصدقة بأكثر من الثلث، مما يدل على أنه ممنوع من التصرف في الباقي.

ونوقش: أن الحديث ليس في العطايا بل في الوصية، يدل على ذلك أمران:

الأمر الأول: ما جاء في بعض روايات الحديث: "أريد أن أوصي، فقلت: أوصي بمالي كله" ونحن معكم في أن الوصية لا تجوز بأكثر من [ ص: 258 ] الثلث، والقصة واحدة، وهذه الروايات في الصحيحين وغيرهما، فدل على أنه أراد الوصية.

التالي السابق


الخدمات العلمية