الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

صفحة جزء
[ ص: 38 ] المسألة الثانية: الوصية بما يستعان به على الباطل:

باتفاق الفقهاء لا تجوز هذه الوصية، مثل: الوصية في آلات اللهو، وشرب الخمر، وكتب البدع، وكتب التوراة والإنجيل.

قال ابن حزم: « واتفقوا أن الوصية بالمعاصي لا تجوز، وأن الوصية بالبر، وبما ليس برا، ولا معصية، ولا تضييعا للمال جائزة » .

وفي مطالب أولي النهى: « ولا تحل وصية في معصية - لا من مسلم ولا من كافر - كمن أوصى ببنيان كنيسة أو نحو ذلك; لقول الله تعالى: ولا تعاونوا على الإثم والعدوان .

وقوله تعالى: وأن احكم بينهم بما أنزل الله فمن تركهم ينفذون خلاف حكم الإسلام، وهو قادر على منعهم، فقد أعانهم على الإثم والعدوان.

ولا تصح الوصية بمحرم (كطبل لهو وطنبور ومزمار ) وعود لهو، وكذا آلات اللهو كلها كرباب وقانون ونحوه، ولو لم يكن فيها أوتار; لأنها مهيئة لفعل المعصية، أشبه ما لو كانت بأوتارها.

(ويتجه ) بـ (احتمال ) قوي (الصحة) ; أي: صحة الوصية بجميع ما ذكر من آلات اللهو المحرمة إن كانت من جوهر نفيس ينتفع بكسره كالذهب والفضة، نظرا إلى الانتفاع بجوهرهما، أو كانت مكفتة بالذهب أو الفضة [ ص: 39 ] (قياسا على أواني نقد ) ; لأنها تكسر وتباع، فينتفع بثمنها من غير نظر إلى جهة التحريم، وهو اتجاه حسن، وقياس مستحسن » .

ودليلهم:

1 - لأن الوصية بمحرم إعانة عليها ، ولا يجوز التعاون على المعصية إجماعا; لقوله تعالى: ولا تعاونوا على الإثم والعدوان .

2 - ولأن الوصية شرعت للتقرب إلى الله تعالى، وهو لا يتقرب إليه بمعصية، كما قال سبحانه وتعالى: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد .

(200 ) ولما روى مسلم من طريق أبي حازم، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا .

(201 ) ولما رواه البخاري من طريق أبي صالح، ومسلم من طريق سعيد بن يسار، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل .

[ ص: 40 ] (202 ) وما رواه مسلم من طريق مصعب بن سعد، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تقبل صلاة من غير طهور، ولا صدقة من غلول .

التالي السابق


الخدمات العلمية