الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

صفحة جزء
المطلب الثاني: الشرط الثاني: أن يكون الموقوف عليه ممن يصح تملكه

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: الوقف على الحيوان:

وصورة ذلك: أن يقول: هذا البيت وقف على خيل الجهاد، أو خيل طلبة العلم، ونحو ذلك.

فقد اختلف العلماء - رحمهم الله - في صحة الوقف على الحيوانات والطيور على ثلاثة أقوال:

القول الأول: صحة الوقف على الحيوان، والطير.

وبه قال المالكية، قال المرداوي: « واختار الحارثي الصحة، وقال: هو الأظهر عندي كما في الوقف على القنطرة، والسقاية، وينفق عليها ».

القول الثاني: عدم صحة الوقف على الحيوان، والطير.

وهو ظاهر قول الحنفية، والحنابلة.

القول الثالث: التفصيل، فيصح الوقف على الحيوانات الموقوفة، [ ص: 432 ] ولا يصح على ما عداها من المملوكة والمباحة، واستثنى الغزالي حمام الحرم، فيصح الوقف عليها.

وبه قال الشافعية.

الأدلة:

أدلة القول الأول:

1 - عمومات أدلة الوقف السابقة، وهذه تشمل الوقف على الحيوان.

(128) 2 - ما رواه البخاري ومسلم من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له »، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: « في كل ذات كبد رطبة أجر » (129) 3 - ما رواه البخاري ومسلم من طريق قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما من مسلم يغرس غرسة، أو يزرع زرعة، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة ». [ ص: 433 ]

4 - القياس على الوصية، وإذا صحت الوصية للحيوان صح الوقف عليها.

ونوقش هذا الاستدلال: بأن الأصل المقيس موضع خلاف بين العلماء، ومن شروط صحة القياس الاتفاق على الأصل المقيس عليه.

5 - أن الأصل في الوقف الحل والصحة.

دليل القول الثاني: (عدم صحة الوقف على الحيوان) :

استدل من قال بعدم صحة الوقف على الحيوان والطير: بأن الوقف تمليك للمنفعة، والحيوان والطير ليس أهلا للملك.

ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

الوجه الأول: أن ملك كل شيء بحسبه، فملك الإنسان يختلف عن ملك الحيوان.

الوجه الثاني: أنه لا يسلم أن الوقف تمليك، بل الوقف شامل لتمليك المنفعة، ولمطلق الانتفاع، وإن لم يحصل تمليك كما في الصلاة في المسجد.

دليل القول الثالث: (التفصيل) :

1 - يصح الوقف على الحيوانات الموقوفة؛ لما تقدم من أدلة الرأي الأول.

2 - ولما تقدم من إثبات الملك للحيوانات الموقوفة.

3 - أنه لا يصح الوقف على الحيوانات المباحة والمملوكة؛ لأنها ليست أهلا للملك بحال، كما لا تصح الهبة لها، ولا الوصية. [ ص: 434 ]

وقد تقدمت مناقشة هذا الاستدلال.

الترجيح:

الراجح - والله أعلم - صحة الوقف على الحيوان والطير مطلقا؛ لقوة دليله، ولأن الوقف فعل قربة وإحسان، فلا يمنع منه إلا لدليل.

التالي السابق


الخدمات العلمية