التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
[التفسير]:

تقدم القول في: الم و الحي القيوم .

وقوله: وأنـزل التوراة والإنجيل (التوراة) : مشتقة من وريت بك زنادي; إذا أظهر به الخير، كما تقدح النار بالزناد. [ ص: 7 ]

و (الإنجيل) : من النجل، وهو الأصل، فهو أصل من أصول العلم، ووزنه: (إفعيل) .

وأصل (توراة) : (تورية) (وورية) ، مثل: (فوعلة) ، قلبت الواو تاء، والياء ألفا، وهي عند الكوفيين: (تفعلة) ، وهو شاذ.

وقال بعضهم: أصلها: (تفعلة) ، مثل: توصية، صرفت إلى الفتح استثقالا للكسرة في المعتل، وأنكره الزجاج ، وغيره.

وتجمع (التوراة) على: توار، و (الإنجيل) على: أناجيل.

وتقدم القول في (الفرقان) .

هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء يعني: من حسن وقبح، وسواد وبياض، وطول وقصر، وغير ذلك، وأصل (الرحم) : من الرحمة; لأنها مما يتراحم به، واشتقاق (الصورة) : من صاره إلى كذا; إذا أماله.

وقوله: منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات قال ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك : المحكمات: الناسخات، والمتشابهات: المنسوخات.

ابن كيسان : إحكامها: بيانها وإيضاحها. [ ص: 8 ]

مجاهد ، وعكرمة : المحكمات: ما فيه من الحلال والحرام، وما سوى ذلك متشابه، يصدق بعضه بعضا.

وعن مجاهد أيضا: المحكم: ما لم تشتبه معانيه، والمتشابه: ما اشتبهت معانيه.

ابن زيد : المحكم: ما لم يتكرر لفظه، والمتشابه: المتكرر اللفظ.

جابر بن عبد الله: المحكم: ما يعرف تعيين تأويله، والمتشابه: ما لا يعرف تعيين تأويله; نحو ذكر الساعة.

محمد بن جعفر بن الزبير: المحكم: ما لا يحتمل إلا وجها، والمتشابه: ما احتمل أكثر من وجه.

وقيل: المحكمات: ما كان خبرا لا يلحقه نسخ، والمتشابهات: الناسخ والمنسوخ، اشتبه عليهم; لأنهم لا يعلمون منتهى ما يصير إليه أمره، وأمر العمل به. [ ص: 9 ]

وعن ابن عباس : المحكمات: الآيات الثلاث في آخر (الأنعام) : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم إلى ثلاث آيات [151-153]، والمتشابه: ما تشابه عليهم; نحو: (الم) و (الر) .

وليس قوله: منه آيات محكمات في قول جميعهم بمزيل الحكمة عن المتشابهات، بل هو كله محكم في أنه يصدق بعضه بعضا، ومن ذلك قوله تعالى: كتابا متشابها مثاني [الزمر: 23]; أي: في الحكمة، لا اختلاف فيه، ولا تناقض.

وقوله: (أم الكتاب) أي: هن الشيء الذي يقال له: أم الكتاب; أي: كل آية منه يقال لها ذلك، ومعنى (أم الكتاب) : أصله الذي يستدل به على المتشابه وغيره من أمور الدين.

(فأما الذين في قلوبهم زيغ) أي: ميل عن الحق.

(فيتبعون ما تشابه منه) أي: يحتجون به على باطلهم.

قال ابن عباس : يراد بذلك: الخوارج، ورواه أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[ ص: 10 ] الربيع بن أنس : هم وفد نجران.

قتادة : هم كل من احتج بالمتشابه على باطله.

(ابتغاء الفتنة) أي: الشرك، عن السدي ، واللبس، عن مجاهد .

وقيل: (الفتنة) : إفساد ذات البين.

(وابتغاء تأويله) : قال ابن عباس : طلب الأجل في مدة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من قبل الحروف التي في أوائل السور; يعني: حروف التهجي; لأنهم حسبوها على حساب الجمل، وقالوا: هذه مدة محمد وأمته.

و (التأويل) : يكون بمعنى: التفسير; كقولك: (تأويل هذه الكلمة على كذا) ، ويكون بمعنى ما يؤول الأمر إليه، واشتقاقه من: آل الأمر إلى كذا، يؤول إليه; أي: صار، وأولته تأويلا; أي: صيرته.

ابن كيسان : (التأويل) : ما يؤول إليه معنى الكلام; فالمعنى: ما يرجع إليه معناه، وما يستقر عليه في المتشابه عليهم، هل ينسخ أو لا ينسخ؟.

وقيل: الفرق بين التأويل والتفسير: أن التأويل: كقول ابن عباس : (الجد أب) ; لأنه تأول قول الله تعالى: يا بني آدم [الأعراف: 26]، والتفسير: كقولك: (الريب: الشك) .

(وما يعلم تأويله إلا الله) : روي عن عائشة، وابن عمر ، وابن عباس ، [ ص: 11 ] وغيرهم: أن التمام على قوله: (إلا الله) ، وهو مذهب الكسائي ، والأخفش، والفراء ) ، وأبي عبيدة، و (الهاء) على هذا تعود على المتشابه على أنه يكون ما يحتمل النسخ من الفرائض; لأنه لا يعلم حين نزوله هل يثبت الحكم به أو ينسخ إلا الله.

أو يكون المعنى: وما يعلم مدة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته إلا الله، على ما تقدم من زعم اليهود.

أو يكون المعنى: وما يعلم جميع المتشابه إلا الله; لأن منه ما لا يعلم تأويله، والله عالم بجميعه.

أو على ما روي عن ابن عباس : أن المعنى: وما يعلم جزاءه وثوابه إلا الله -يعني: الكتاب- يوم القيامة، وكذلك قال أبو عبيدة: المعنى: وما يعلم مرجعه ومصيره إلا الله.

أو يكون على مذهب الشعبي في حروف التهجي: أنها من سر القرآن الذي لا يعلمه إلا الله، فيكون المتشابه.

أو يكون على قول الزجاج : إنهم طلبوا تأويل بعثهم وإحيائهم، فأعلموا أن ذلك لا يعلمه إلا الله، واستدل عليه بقوله: هل ينظرون إلا تأويله الآية [الأعراف: 53]. [ ص: 12 ]

وروى الكلبي عن ابن عباس أنه قال: تفسير القرآن على أربعة أوجه:

تفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعذر الناس بجهله، وتفسير تعلمه العرب بلغتها، وتفسير لا يعلم تأويله إلا الله، ومن ادعى علمه; فهو كاذب.

وقد روي عن مجاهد ، والربيع بن أنس ، وغيرهما: أن (الراسخين في العلم) معطوف على اسم الله عز وجل، وأنهم يعلمون تأويله.

وروي نحوه، عن ابن عباس أنه قال: (أنا ممن يعلم تأويله) ، فالهاء على هذا تعود على جميع الكتاب.

(كل من عند) : ابن عباس : ما نسخ وما لم ينسخ.

(ربنا لا تزغ قلوبنا) أي: لا تملها عن الحق، ابن كيسان : سألوا ألا يزيغوا; فتزيغ قلوبهم.

(ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه) أي: عند أهل الحق.

وقيل: (لا ريب فيه) : إذا شاهده المصدق والمكذب.

ابن كيسان : دليله قائم في أنفس العباد وإن جحدوه; لإقرارهم بالنشأة الأولى.

(إن الله لا يخلف الميعاد) : قيل: هو من جملة الدعاء، وقيل: هو مستأنف.

[ ص: 13 ] لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا : قال أبو عبيدة: (من) بمعنى (عند) ، المبرد : هي على أصلها، والتقدير: لن تغني عنهم غنى ابتداؤه الشيء الذي لا يكون الغنى إلا منه.

(كدأب آل فرعون) أي: كعادتهم; أي: عادتهم في كفرهم، كعادة آل فرعون، والدؤوب على الشيء: الاجتهاد فيه.

وقيل: الكاف متعلقة بـ (وقود النار) ، والمعنى: عذبوا تعذيبا كما عذب آل فرعون.

وقيل: هي متعلق بقوله: (كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم) أي: أخذهم أخذا كما أخذ آل فرعون.

وقيل: هي متعلقة بقوله:( لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا) أي: لم تغن عنهم، كما لم تغن الأموال والأولاد عن آل فرعون، وهذا جواب لمن تخلف عن الجهاد وقال: شغلتنا أموالنا وأهلونا [الفتح: 11].

قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الآية:

روي: أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع اليهود، فقال لهم: "أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا يوم بدر"، فقالوا: لا تغرنك نفسك أنك [ ص: 14 ] قتلت قريشا، وكانوا أغمارا لا يعرفون القتال، أما إنك لو قاتلتنا لعرفت ما نحن عليه، فنزلت الآية.

وقيل: نزلت لما فرح اليهود بما أصاب المسلمين يوم أحد; فالمعنى على هذا: (سيغلب المشركون) على قراءة من قرأ: (سيغلبون ويحشرون) بالياء، والتاء على خطاب اليهود، على ما تقدم.

قد كان لكم آية في فئتين التقتا الآية; يعني: المؤمنين والمشركين يوم بدر.

وقوله: (ترونهم مثليهم رأي العين) : كان المسلمون يوم بدر ثلاث مئة وبضعة عشر، والمشركون نحو ألف، وقيل: تسع مئة وخمسين، فقلل الله المشركين في أعين المسلمين، فأراهم إياهم مثلي عدتهم; لتقوى أنفسهم; إذ قد وعدهم أن الرجل من المسلمين يغلب الرجلين من المشركين، [ ص: 15 ] وقلل المسلمين في أعين المشركين; ليجترئوا عليهم، فينفذ حكم الله فيهم.

ابن كيسان : الهاء والميم في (ترونهم) عائدة على (وأخرى كافرة) ، والهاء والميم في (مثليهم) عائدة على (فئة تقاتل في سبيل الله) ، وهذا من الإضمار الذي يدل عليه سياق الكلام; وهو قوله: (يؤيد بنصره من يشاء) ، فدل ذلك على أن الكافرين كانوا مثلي المسلمين في رأي العين، وثلاثة أمثالهم في العدد، قال: والرؤية ههنا لليهود، وزعم الفراء : أن معنى (ترونهم مثليهم) : ثلاثة أمثالهم، وهو بعيد غير معروف في اللغة.

(إن في ذلك لعبرة) الآية; (العبرة) أي: يعبر بها من منزلة الجهل إلى منزلة العلم، و (أولو الأبصار) : أولو العقول.

وقوله تعالى: (والقناطير المقنطرة) : (القنطار) : المال الكثير المعقود، كالقنطرة المعقودة بالبناء، و (المقنطرة) : المضاعفة، عن قتادة ، السدي : المضروبة دنانير أو دراهم.

ابن كيسان ، والفراء : لا تكون المقنطرة أقل من تسعة قناطير.

[ ص: 16 ] وقيل: هو كـ (دراهم مدرهمة) ; أي: مجعولة كذلك.

ابن عباس ، والحسن ، وغيرهما: القنطار: ألف ومئتا دينار، [وعن ابن عباس ، أيضا: ألف ومئتا أوقية، وعنه: سبعون ألف درهم.

الحسن : ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم.

قتادة : ثمانون ألف درهم، أو مئة رطل. مجاهد ، وعطاء : سبعون ألف دينار.

الربيع بن أنس : المال الكثير.

وقيل: هو ملء مسك ثور ذهبا أو فضة.

(والخيل المسومة) : الراعية، عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير، وغيرهما، يقال: أسمت الإبل وسومتها; إذا رعيتها.

مجاهد ، وعكرمة ، والسدي : (المسومة) : الحسنة ، وهو مأخوذ من السيماء; وهو الحسن .

قتادة : المعلمة، وروي ذلك عن ابن عباس ، مأخوذ من السيماء; وهي [ ص: 17 ] العلامة، وهذا مذهب الكسائي ، وأبي عبيدة.

ابن زيد : المعدة للجهاد.

وواحد (الخيل) خائل، عن أبي عبيدة ، سميت بذلك; لاختيالها في مشيها.

وقيل: هو اسم يراد به الجمع، لا واحد له من لفظه.

(والأنعام) : الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها، ولا يستعمل النعم لجنس منها مفردا، إلا الإبل.

و (المآب) : المرجع.

(قل أأنبئكم بخير من ذلكم) : منتهى الاستفهام عند قوله: (بخير من ذلكم) ، ثم استأنف (للذين اتقوا عند ربهم) ، وقيل: منتهاه: (عند ربهم) .

(ورضوان من الله) : (الرضوان) : مصدر (رضي) .

وقوله: (الصابرين) يعني: عن المعاصي، وقيل: على الطاعة.

(والصادقين) : في أقوالهم وأعمالهم.

وتقدم معنى (والقانتين) [البقرة: 116، 238].

(والمنفقين) يعني: المتصدقين.

[ ص: 18 ] (والمستغفرين بالأسحار) : قال أنس بن مالك : هم السائلون المغفرة، قتادة : المصلون.

(شهد الله أنه لا إله إلا هو) أي: أخبر بما يقوم مقام الشهادة.

الزجاج : الشاهد: هو الذي يعلم الشيء ويبينه، فقد دلنا الله عز وجل على وحدانيته بما خلق وبين.

أبو عبيدة: (شهد الله) بمعنى: قضى الله; أي: أعلم.

(قائما بالقسط) أي: بالعدل.

( إن الدين عند الله الإسلام) أي: الاستسلام والانقياد لأمر الله تعالى.

(فإن حاجوك) : قيل: يعني: نصارى نجران.

(فقل أسلمت وجهي لله) أي: انقدت لأمره، وقصدته بالعبادة والتوحيد.

(وقل للذين أوتوا الكتاب) يعني: اليهود والنصارى،(والأميين) يعني: العرب.

(أأسلمتم) تهديد، وقيل: معناه الأمر; أي: أسلموا.

(فإنما عليك البلاغ) أي: ليس عليك ألا يتولوا، إنما عليك أن تبلغ، وقيل: إنه مما نسخ بالجهاد.

التالي السابق


الخدمات العلمية