التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير:

قوله تعالى: إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس الآية.

روى أبو عبيدة ابن الجراح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مئة رجل واثنا عشر رجلا من عباد بني إسرائيل، فأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر; فقتلوا جميعا في آخر النهار [ ص: 31 ] من ذلك اليوم، وهم الذين ذكر الله عز وجل في هذه الآية".

(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) أي: حظا (يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم) الآية.

روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا اليهود إلى كتاب الله عز وجل، فقال له نعيم بن عمرو، والحارث بن زيد: على أي دين أنت يا محمد؟ فقال: "على ملة إبراهيم ودينه"، قالا: فإن إبراهيم كان يهوديا، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: "فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم"، فأبيا من ذلك، فنزلت الآية.

وقوله: (وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون) : قال قتادة : غرهم قولهم: (نحن أبناء الله وأحباؤه) [المائدة: 18].

مجاهد : غرهم قولهم: لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون .

(فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه) أي: كيف يكون حالهم إذا جمعناهم؟ (قل اللهم مالك الملك) : الميم في (اللهم) في قول الخليل: بدل من ياء النداء; ولذلك لم تستعمل (اللهم) في الخبر.

[ ص: 32 ] الفراء : الأصل: (يا ألله امنا بخير) ، فطرحت حركة الهمزة على ما قبلها، وحذفت الهمزة، وأنشد في اجتماعها مع (يا) : [من الرجز]

وما عليك أن تقولي كلما


صليت أو سبحت يا اللهما ما


اردد علينا شيخنا مسلما

وقال: إنما تزاد الميم مخففة في (فم) أو (ابنم) .

قال غيره: زيدت مشددة في (اللهم) ; لأنها عوض من (يا) ; وهي حرفان، فجعل العوض حرفين.

و (الملك) ههنا: النبوة، عن مجاهد ، وقيل: الغلبة، وقيل: المال والعبيد.

الزجاج : المعنى: مالك العباد وما ملكوه.

وقيل: المعنى: مالك الدنيا والآخرة.

الحسن ، وقتادة : سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يجعل لأمته ملك فارس والروم; فنزلت الآية.

وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بفتح الشام وملك قيصر وكسرى، [ ص: 33 ] فأنكرت اليهود ذلك; فنزلت الآية) .

ومعنى (تؤتي الملك من تشاء) أي: من تشاء أن تؤتيه إياه، وكذلك ما بعده لا بد فيه من تقدير الحذف.

(بيدك الخير) أي: الخير والشر، فحذف، كما قال تعالى: (سرابيل تقيكم الحر) [النحل: 81].

وقيل: خص الخير; لأنه موضع رغبة في فضله.

(تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل) أي: تدخل ما نقص من أحدهما في الآخر، روي معناه عن ابن مسعود ، وابن عباس ، وغيرهما.

(وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي) قيل: الحي من النطفة، والنطفة من الحي، والدجاجة من البيضة، والبيضة من الدجاجة، عن ابن مسعود ، ومجاهد ، وغيرهما.

الحسن : المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن.

عكرمة والسدي : النخلة من النواة، والنواة من النخلة، والبيض من الدجاج، والدجاج من البيض.

(لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) : قال ابن عباس : نهى الله عز وجل المؤمنين أن يلاطفوا الكفار، ومثله: (لا تتخذوا بطانة من دونكم) [آل عمران: 118]، ونظائره، ومعنى (من دون المؤمنين) : من مكان دون مكان المؤمنين; وهو مكان الكفار.

ومعنى (فليس من الله في شيء) : فليس من حزب الله في شيء.

[ ص: 34 ] (إلا أن تتقوا منهم تقاة) : قال ابن عباس : هو أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا يقتل، ولا يأتي مأثما.

الحسن : التقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة، ولا تقية في القتل.

وأصل (تقاة) : (وقية) ، قلبت الواو تاء، والياء ألفا.

وروي: أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر حين تكلم ببعض ما أراده منه المشركون; خوفا أن يقتلوه، وفي حاطب بن أبي بلتعة حين كتب الكتاب إلى المشركين بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم; ليحفظوه في أهله وماله.

(ويحذركم الله نفسه) أي: عقابه.

[عن ابن عباس ، والحسن ، وغيرهما: المعنى:يحذركم إياه.

ولا يحسن أن يقال ابتداء: أعلم ما في نفسي، وإنما ساغ في الآية;لازدواج الكلام.

و (النفس) في اللغة تنصرف إلى معان: نفس الحيوان، وذات الشيء الذي تخبر عنه، والأنفة; كقولهم: (ما لفلان نفس) ، والإرادة; كقولهم: (نفس فلان كذا) أي: إرادته، والعين التي تصيب الإنسان، والنفوس: الذي يصيب الناس [ ص: 35 ] بالعين، والنفس: الغيب، سمي نفسا; لخفائه كخفاء نفس الإنسان، والنفس من الدباغ: بمقدار الدبغة، يقال: أعطني نفسا; أي: قدر ما أدبغ به مرة.

(وإلى الله المصير) أي: وإلى جزاء الله المصير.

(قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض) أي: من يعلم ما في السماوات وما في الأرض لا يخفى عليه ما في أنفسكم.

(يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا) : يجوز أن يكون متصلا بقوله: [(على كل شيء قدير) أي: قدير في ذلك اليوم، ويجوز أن يكون متصلا بقوله]: (ويحذركم الله نفسه) ، [ويجوز أن يكون منقطعا على إضمار (اذكر) ].

(والله رءوف بالعباد) ، أي: في إنذاره إياهم.

(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) : محبة العبد لله تعالى: عمله بطاعته، وانتهاؤه عن معصيته، ومحبة الله العبد: رحمته إياه.

ونزلت هذه الآية - فيما روي- في وفد نجران; إذ زعموا أن ما ادعوه في عيسى عليه السلام حب لله عز وجل، قاله محمد بن جعفر بن الزبير .

الحسن ، وابن جريج : نزلت في قوم من أهل الكتاب قالوا: نحن الذين [ ص: 36 ] نحب ربنا.

(إن الله اصطفى آدم ونوحا) أي: اختارهم لدينه; فالتقدير: (اصطفى دينهم) ، فحذف المضاف.

الزجاج : اختارهم للنبوة على عالم زمانهم.

وقال (وآل إبراهيم ) : هم المؤمنون، عن ابن عباس والحسن .

(وآل عمران) : قيل: يعني بهم: آل إبراهيم ، كما قال: (ذرية بعضها من بعض) ، وقيل: المراد: عيسى; لأن أمه بنت عمران.

(ذرية بعضها من بعض) قيل: يعني: في التناصر في الدين، كما قال: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض) [التوبة: 17]; يعني: في الضلال، قاله الحسن وقتادة .

وقيل: المراد به: التناسل.

التالي السابق


الخدمات العلمية