التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير:

هذا قول قوم من اليهود، قالوه على جهة الإلزام حين سمعوا: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) .

[ ص: 168 ] ومعنى (سنكتب ما قالوا) : سنجازيهم عليه، وقيل: سنكتبه في صحائف أعمالهم.

وقوله: (الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار) يعني بذلك: ما كان على عهد بني إسرائيل من أن من قرب قربانا، فتقبل منه; نزلت نار من السماء فأحرقته، فأعلمهم الله أنهم كفروا من قبل بمن جاءهم بذلك; يعني: آباءهم.

و (القربان) : (فعلان) مما يتقرب به، وأصله المصدر; كالرجحان، ونحوه، ثم سمي به نفس المتقرب به.

(فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك) : هذا تعزية للنبي عليه الصلاة والسلام.

و (الزبر) : الكتب، واحدها: (زبور) ، من (زبرت الكتاب) ; إذا كتبته، وأصل (الزبر) : الزجر، سمي الكتاب به; لأن الزجر فيه، وجمع بين (الزبر) و (الكتاب) وهما بمعنى; لاختلاف أصليهما ولفظيهما.

(والكتاب المنير) أي: الهادي إلى الحق.

(فمن زحزح عن النار) أي: نحي عنها; (فقد فاز) أي: ظفر بالنعيم الدائم، وأصل (الفوز) : النجاة.

(لتبلون في أموالكم وأنفسكم) يعني: بالمصائب.

[ ص: 169 ] (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) : سمع أبو بكر رضي الله عنه يهوديا يقول حين سمع: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) : أوهو فقير يستقرض؟! فلطمه، فشكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية) .

قيل: إن قائلها فنحاص اليهودي، عن عكرمة ، وقيل: كعب بن الأشرف، وقيل: حيي بن أخطب .

الزهري : نزلت في كعب بن الأشرف، كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمين، ويحرض عليهم المشركين، حتى قتله محمد بن مسلمة غيلة.

ابن جريج : (الأذى) : ما كانوا يسمعونه من اليهود من قولهم: عزير ابن الله، ومن النصارى من قولهم: المسيح ابن الله.

ومعنى (عزم الأمور) : رشدها وصلاحها.

(وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) : قال ابن عباس ، وغيره: هي في اليهود، وقيل: هي في اليهود والنصارى.

وقال الحسن ، وقتادة : هي في كل من أوتي علم شيء من الكتاب .

(لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا) الآية.

قال الخدري: هي في المنافقين، يحبون أن يقبل منهم الاعتذار للنبي صلى الله عليه وسلم بما ليسوا عليه من الإيمان، وأن يحمدوا على ذلك.

[ ص: 170 ] ابن عباس : هم قوم سألهم النبي عن شيء، فكتموه، وحرفوه، وفرحوا بذلك، وأحبوا أن يحمدوا عليه.

الضحاك : هم قوم فرحوا باجتماع كلمتهم على الكفر، وقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه.

وقيل: هي في أهل خيبر، أتوا النبي عليه الصلاة والسلام، وقالوا: نحن على رأيك، فأعلمه الله تعالى بكذبهم.

ابن جبير : هم أحبار اليهود، يفرحون بما أخذوه من الرشا، ويحبون أن يقال لهم: علماء، وليسوا بعلماء.

وعنه أيضا: هم اليهود، يفرحون بما أوتي آل إبراهيم من النبوة، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا; لأنهم يقولون: نحن على دين إبراهيم ، وهم مخالفون له.

وهذان القولان عن ابن جبير على قراءته; لأنه يقرأ: (بما أوتوا) .

(ولله ملك السماوات والأرض) : هذا احتجاج على الذين قالوا: (إن الله فقير ونحن أغنياء) .

(الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) : قال ابن مسعود : يعني بذلك الصلاة.

غيره: يعني: ذكر الله عز وجل على كل حال.

(ربنا ما خلقت هذا باطلا) : أي يقولون: ربنا.

(ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) أي: أذللته.

[ ص: 171 ] (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان) أي: نداء مناد.

وقال ابن جريج ، وابن زيد: هو محمد عليه الصلاة والسلام.

محمد بن كعب : هو القرآن، وليس كلهم سمع النبي عليه الصلاة والسلام.

و (اللام) في (للإيمان) بمعنى: (إلى) .

والأبرار) : جمع (بر) ، أو (بار) ، وأصله من الاتساع، فكأن البر متسع في طاعة الله عز وجل، ومتسعة له رحمة الله.

وقوله: (وآتنا ما وعدتنا على رسلك) أي: على ألسنة رسلك، وهو وعده من آمن بالجنة، فسألوه أن يكونوا ممن وعد بذلك.

وقيل: دعوا به على جهة العبادة والخضوع، وقيل: سألوه أن يعطوا ما وعدوا به من النصر على عدوهم معجلا.

(فاستجاب لهم ربهم) أي: أجابهم.

وقوله: (من ذكر أو أنثى) : دخلت (من) للتأكيد; لأن قبلها حرف النفي.

الكوفيون: هي للتفسير، ولا يجوز حذفها; لأنها دخلت لمعنى لا يصلح الكلام إلا به، وإنما تحذف إذا كانت تأكيدا للجحد.

(بعضكم من بعض) قيل: في الثواب، والأحكام، والنصرة، وشبه ذلك.

وقيل: إن سبب نزول ذلك: قول أم سلمة: (ما بال الرجال يذكرون في [ ص: 172 ] الهجرة دون النساء؟) ، روي ذلك عن مجاهد ، وعمرو بن دينار.

و (حسن الثواب) : حسن الجزاء; وهو ما يرجع على العامل من جزاء عمله، من (ثاب يثوب) .

(لكن الذين اتقوا ربهم) : استدراك بعد كلام تقدم فيه معنى النفي; لأن معنى ما تقدم: (ليس لهم في تقلبهم في البلاد كثير انتفاع) .

(وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) الآية.

روي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى على النجاشي ، وترحم عليه; تكلم في ذلك المنافقون، فنزلت الآية"، قاله جابر بن عبد الله، وغيره.

مجاهد ، وابن جريج : هي فيمن أسلم من أهل الكتاب; كابن سلام ونظرائه.

وقيل: نزلت في أربعين رجلا آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، منهم اثنان وثلاثون من بني الحارث بن كعب من الحبشة، وثمانية من الروم.

(خاشعين لله) أي: متواضعين متذللين.

(يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا) : قال الحسن ، وقتادة ، وغيرهما: المعنى: اصبروا على طاعة الله، وصابروا أعداء الله، ورابطوا في سبيل الله.

[ ص: 173 ] وعن الحسن أيضا: اصبروا على المصائب، وصابروا على الصلوات الخمس، ورابطوا أعداء الله في سبيله.

(واتقوا الله) أي: لم تؤمروا بالجهاد من غير تقوى.

محمد بن كعب : اصبروا على دينكم، وصابروا على وعد ربكم، ورابطوا أعداءكم.

زيد بن أسلم : اصبروا على الجهاد، وصابروا العدو، ورابطوا الخيل على العدو.

أبو سلمة بن عبد الرحمن: رابطوا على الصلوات; أي: انتظروها.

وأصل (الرباط) : من رباط الخيل في الثغور، وقيل: هو من ربط النفس في الثغر بلزومه.

وجاء في الخبر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انتبه من نومه; قرأ: (إن في خلق السماوات والأرض) إلى: (إنك لا تخلف الميعاد) .

التالي السابق


الخدمات العلمية