التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
(ذلك أدنى ألا تعولوا) أي: ذلك أقرب إلى ألا تميلوا عن الحق وتجوروا، عن ابن عباس ، ومجاهد ، وغيرهما.

وأصل (العول) : الخروج عن الحد، و (العول) في الفرائض: الخروج عن حد السهام المسماة.

[ ص: 186 ] وذهب الشافعي إلى أن المعنى: ذلك أدنى ألا تكثر عيالكم، واعترض قوله بأن الله تعالى قد أحل بملك اليمين ما شاء الإنسان من العدد.

(وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) : (النحلة) : العطية على غير وجه المثامنة.

قتادة ، وغيره: معنى (نحلة) : فريضة.

وقيل: معناه: دينا; أي: تعبدا، من قولهم: (فلان ينتحل كذا) ; أي:

يدين به.

وقيل: سميت (نحلة) ; لأنه قد كان يجوز ألا يعطين شيئا، فنحلهن الله ذلك.

وقيل: لا تكون نحلة إلا فيما طابت به النفس، لا فيما أكره عليه.

وأكثر العلماء: على أن الخطاب ههنا للأزواج، قاله قتادة ، وابن زيد، وغيرهما.

أبو صالح: هو للأولياء; لأن الولي كان يأخذ الصداق لنفسه.

وقيل: إن سبب نزول الآية: أن الرجل كان يزوج الرجل أخته على أن يزوجه الآخر أخته، ولا صداق لواحدة منهما، وهذا هو الشغار.

[ ص: 187 ] (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) : الاختلاف فيه: هل الخطاب للأزواج أو للأولياء؟ على ما تقدم، و (الهاء) في (منه) للصداق، أو للمال الذي دل عليه الكلام، أو للإيتاء.

(ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) : قال ابن عباس ، وابن زيد: يعني: السفيه من ولدك.

سعيد بن جبير، وغيره: (السفهاء) : ههنا: النساء والصبيان، والمعنى: لا تطلقوهم على أموالكم; فيفسدوها، فأما إعطاؤهم إياها مع صيانتهم لها; فغير مختلف فيه.

مجاهد : (السفهاء) ههنا: النساء، وكان يجب على هذا أن يقول: السفائه، أو السفيهات; لأنه الأكثر في جمع (فعيلة) .

أبو موسى الأشعري، وغيره: (السفهاء) ههنا: كل من يستحق الحجر.

ووجه إضافة الأموال إلى المخاطبين على هذا وهي للسفهاء: أنها بأيديهم، وهم الناظرون فيها، فنسبت إليهم اتساعا، وقد قال الله تعالى: (فسلموا على أنفسكم) [النور: 61]، وقال: فاقتلوا أنفسكم [البقرة: 54].

[ ص: 188 ] (وقولوا لهم قولا معروفا) : قال ابن جبير : أي: قولوا لهم: إن رشدتم; دفعنا إليكم أموالكم، وقيل: المعنى: ادعوا لهم بالصلاح.

(وابتلوا اليتامى) الآية قال الحسن ، ومجاهد ، وغيرهما: أي: اختبروهم في عقولهم، وأديانهم، وتثمير أموالهم.

ومعنى (حتى إذا بلغوا النكاح) : الحلم، في قول ابن عباس وغيره، والتقدير: حال النكاح.

(فإن آنستم منهم رشدا) أي: عرفتم، عن ابن عباس .

و (الرشد) في قول الحسن ، وقتادة : الصلاح في العقل والدين.

ابن عباس ، والسدي ، والثوري : الصلاح في العقل، وحفظ المال.

مجاهد : العقل خاصة.

وأكثر العلماء على أنه إن لم يرشد بعد بلوغ الحلم وإن شاخ; لا يزول الحجر عنه، وهو مذهب مالك ، وغيره.

وقال أبو حنيفة: لا يحجر على البالغ الحر إذا بلغ مبالغ الرجال.

(ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا) : (الإسراف) : تجاوز الحد في الإفراط) ، [ ص: 189 ] وقوله: (وبدارا) أي: ومبادرة أن يكبروا، فيأخذوها منكم، عن ابن عباس ، وغيره.

(ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) : قال ابن عباس ، والنخعي : فليستعفف بغناه، ولا يأكل من مال اليتيم.

ابن عباس : نسخ الله منها الظلم والاعتداء بقوله: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما الآية [النساء: 10].

أبو يوسف صاحب أبي حنيفة : لا أدري لعل هذه الآية منسوخة بقوله:

ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [البقرة:188) .

وقال زيد بن أسلم : هي منسوخة.

يحيى بن سعيد، وربيعة بن أبي عبد الرحمن : هي في اليتيم، إن كان فقيرا; أنفق عليه بقدر فقره، وإن كان غنيا، أنفق عليه بقدر غناه.

وعن ابن عباس أيضا: المعنى: فليأكل ولي اليتيم بالمعروف من مال نفسه، حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم.

[ ص: 190 ] وعنه أيضا: أنه قال لرجل سأله عن إبل ليتيم في حجره: إن كنت تلتمس ضالتها، وتهنأ جرباها، وتلوط حوضها، وتسقي عليها; فاشرب من لبنها.

وقيل: المعنى: فليأكل من مال اليتيم قرضا، ويرده إذا وجد، روي معناه عن عمر رضي الله عنه، وغيره.

الحسن ، والنخعي ، وغيرهما: له أن يأكل من مال يتيمه إذا كان يقوم فيه; ما سد الجوعة، ووارى العورة، ولا قضاء عليه إن وجد، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه إذا كان الولي فقيرا.

وقال بعض أهل العراق: لا يأكل من مال يتيمه شيئا إلا أن يسافر من أجله; فيتقوت بشيء من ماله في سفره.

مجاهد : ليس لأحد أن يأكل من مال اليتيم قرضا ولا غيره.

(فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) : هذا ندب عند أكثر العلماء، وعن عمر رضي الله عنه، وغيره: أن المعنى: فأشهدوا عليهم، فيما استقرضتم منهم.

(للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب) الآية.

[ ص: 191 ] قال ابن جريج ، وقتادة : سبب نزولها: أنهم كانوا في الجاهلية يورثون الذكور دون الإناث، فالآية ناسخة لما كانوا عليه في الجاهلية.

التالي السابق


الخدمات العلمية