التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير:

قوله : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد الآية.

المعنى: فكيف يكون حالهم حينئذ؟ وشهادة الرسل على الأمم بالتبليغ، وقيل: بأعمالهم، وفي الكلام معنى التوبيخ.

وقوله : لو تسوى بهم الأرض : [أي: لو انفتحت لهم الأرض، فساخوا فيها.

الحسن : المعنى: تسوى عليهم]، فـ (الباء) عنده بمعنى (على) ، وقيل:

المعنى : يودون لو كانوا ترابا.

وقوله: ولا يكتمون الله حديثا : سئل ابن عباس عن هذه الآية، وعن قوله: والله ربنا ما كنا مشركين ، [فقال: لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام؟ قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين]; فختم الله على أفواههم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم; فلا يكتمون الله حديثا.

[ ص: 268 ] الحسن ، وقتادة : الآخرة مواطن، يكون هذا في بعضها، وهذا في بعضها، وقيل: هو داخل في التمني حين نطقت جوارحهم، روي معناه عن ابن عباس .

وقيل : هو مستأنف، والمعنى: لا يكتمون الله حديثا وإن لم ينطقوا بحديثهم; لعلمه به; فلم يعتد بكتمانهم.

وقيل: إنهم - في قولهم : والله ربنا ما كنا مشركين- صادقون عند أنفسهم; فقوله: ولا يكتمون الله حديثا ، على هذا مستأنف أيضا.

ومعنى انظر كيف كذبوا على أنفسهم ، على هذا: انظر كيف أوجبوا العذاب على أنفسهم بمثل حال الكاذب في الإقرار، وإنما تمنوا لو تسوى بهم الأرض حين رأوا البهائم تصير ترابا، وعلموا أنهم مخلدون في النار.

وقوله: وأنتم سكارى : (السكر) : مأخوذ من السكر; وهو سد مجرى الماء; فـ (السكر) : انسداد طرق التمييز.

و (الغائط) : المطمئن من الأرض، كني به عن الحدث; لأنهم كانوا يخرجون إليه; لذلك يقال: غائط، وغيطان، وغوط.

[ ص: 269 ] وأصل (الصعيد) : ما يصعد على الأرض من ترابها، وقد تقدم القول فيه.

ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة يعني: قوما من أهل الكتاب، عن ابن عباس .

ويريدون أن تضلوا السبيل : أن تضلوا طريق الحق.

والله أعلم بأعدائكم أي: فهو يكفيكموهم.

وكفى بالله وليا : دخول الباء على معنى: اكتفوا بالله وليا.

وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا قيل: إن (من) متعلقة بما قبلها; فلا يوقف على قوله : "نصيرا".

وقيل : هو متصل بقوله: أوتوا نصيبا من الكتاب .

وقيل: التقدير : من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم; فيحسن على هذا

الوجه الوقف على ما قبله، والابتداء به، وهذا مذهب سيبويه.

الفراء : المحذوف (من) ، المعنى: (من الذين هادوا من يحرفون) ، وأنكره [ ص: 270 ] المبرد، والزجاج; لأن حذف الموصول كحذف بعض الكلمة.

وقوله: واسمع غير مسمع : قال ابن عباس : كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: اسمع لا سمعت.

الحسن ، ومجاهد : المعنى: غير مقبول منك، وتقدم القول في"راعنا" .

وقوله: ليا بألسنتهم أي : يلوون ألسنتهم عن الحق ليا، وأصل (اللي) : الفتل.

وقوله: لكان خيرا لهم وأقوم أي: أصوب في الرأي.

وقوله: فلا يؤمنون إلا قليلا أي: إلا إيمانا قليلا، لا يستحقون به اسم الإيمان.

وقيل : معناه: لا يؤمنون إلا قليلا منهم، وهذا بعيد; لأنه قد أخبر عنهم

أنه لعنهم بكفرهم.

وقوله: من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها : قال ابن عباس ، وقتادة: أي: نمحو آثارها حتى تصير كالأقفاء، ونجعل عيونها في أقفائها; فتمشي القهقرى.

[ ص: 271 ] الحسن ، ومجاهد ، وغيرهما: هو تمثيل، والمعنى: نطمسها عن الهدى; فنردها في ضلالتها.

وقيل : معناه: نصيرها منابت للشعر; كوجوه القردة.

وقيل : معناه : نطمس وجوههم التي هم فيها، ونردهم إلى الشام. و (الطمس) في اللغة: عفو الأثر.

أو نلعنهم أي: أصحاب الوجوه كما لعنا أصحاب السبت : بمسخهم قردة، عن الحسن، وقتادة.

وقيل: هو خروج من الخطاب إلى الغيبة.

وكان أمر الله مفعولا أي: كائنا موجودا، ويراد بـ (الأمر) : المأمور، فهو مصدر وقع موقع المفعول، والمعنى: أنه متى أراده أوجده.

وقيل : معناه: أن كل أمر أخبر بكونه فهو كائن على ما أخبر به.

ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم يعني: اليهود والنصارى، حين قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه ، وقالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ، عن الحسن، وقتادة، وغيرهما .

وروي: أنهم قدموا الغلمان يصلون بهم، وقالوا: لا ذنوب عليهم، فنزلت الآية .

وقيل : قالوا: إن من توفي من آبائهم قربة لهم عند الله.

[ ص: 272 ] ابن مسعود : كان بعضهم يزكي بعضا; لينال حالا من أحوال الدنيا.

ولا يظلمون فتيلا : (الفتيل) : الذي يكون في شق النواة، عن مجاهد، وقتادة، وغيرهما، وعن ابن عباس نحوه، وعنه أيضا: ما فتلته بين أصابعك من الوسخ، وهو (فعيل) بمعنى: (مفعول) ، والمعنى: مقدار فتيل.

ومعنى يفترون على الله الكذب : يختلقونه; يعني: تزكيتهم لأنفسهم، عن ابن جريج، وروي: أنهم قالوا: ليس لنا ذنوب إلا كذنوب أبنائنا يوم يولدون.

وكفى به إثما مبينا : تعظيما لذمه، والعرب تستعمل مثل ذلك في المدح والذم.

وقوله: يؤمنون بالجبت والطاغوت : قال عمر رضي الله عنه : (الجبت) : السحر، "والطاغوت": الشيطان.

قتادة : (الجبت) الشيطان، "والطاغوت" : الكاهن.

ابن مسعود : الجبت والطاغوت ههنا: كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب.

وقيل: هما كل معبود من دون الله ، أو مطاع في معصية الله.

مالك بن أنس: (الطاغوت) : ما عبد من دون الله، قال: وسمعت من يقول: إن (الجبت) : هو الشيطان.

[ ص: 273 ] قطرب : أصل (الجبت) : الجبس ، وهو من الرجال : الذي لا خير فيه ولا عنده ، فأبدلت التاء من السين.

والقائلون للذين كفروا: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا هم اليهود، قالوه لكفار قريش، عن ابن عباس ، وغيره.

وقوله : فلن تجد له نصيرا يعني: من أهل الحق، وقيل: لن تجد له نصيرا من عذاب الله.

أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا : "أم" : منقطعة، والمعنى : (بل ألهم نصيب ؟) ، وقيل : هي عاطفة على محذوف، [والمعنى: أهم بالنبوة أولى أم من أرسلنا ؟ أم لهم نصيب من الملك ؟]، والمعنى: ليس لهم حظ من الملك، ولو كان لهم منه حظ لم يعطوا الناس منه نقيرا; لبخلهم.

و (النقير) : النقطة في ظهر النواة ، عن ابن عباس ، وقتادة، وغيرهما. مجاهد : هو الحبة التي في بطن النواة.

وعن ابن عباس أيضا: (النقير) : ما نقر الرجل بإصبعه، كما ينقر الأرض.

التالي السابق


الخدمات العلمية