التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
وقوله: إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق الآية.

قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغيرهما: هي منسوخة بالأمر بالقتال، وبقتلهم حيث ثقفوا.

وقوله: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ : قال قتادة: المعنى: ما كان له ذلك في عهد الله.

وقيل: ما كان له فيما سلف، كما ليس له الآن.

وقوله: (إلا خطأ) : استثناء منقطع; أي: ما كان له أن يقتله ألبتة، لكن إن قتله خطأ، فعليه كذا.

وروي: أن الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي حين قتل الحارث بن زيد العامري خطأ، عن مجاهد، وعكرمة، والسدي .

[ ص: 309 ] ابن زيد : نزلت في أبي الدرداء حين قتل الراعي.

وقوله: فتحرير رقبة مؤمنة : لا يجزئ في قول كافة العلماء في الرقبة التي ذكرها الله ههنا: أعمى، ولا مقعد، ولا مقطوع اليدين أو الرجلين، ولا أشلهما، ويجزئ عند أكثرهم: الأعرج، والأعور، مالك: إلا أن يكون عرجا شديدا.

ولا يجزئ عند مالك ، والشافعي، وأكثر العلماء: أقطع إحدى اليدين أو إحدى الرجلين، ويجزئ عند أبي حنيفة ، وأصحابه.

ولا يجزئ عند أكثرهم: المجنون المطبق، [ولا يجزئ عند مالك : الذي يجن ويفيق، و يجزئ عند الشافعي].

ولا يجزئ عند مالك المعتق إلى سنين، و يجزئ عند الشافعي.

وقوله : ودية مسلمة إلى أهله أي: إلى أهل القتيل، يؤديها عاقلة القاتل، [ ص: 310 ] وقد بسطنا ذلك في "الكبير"، وذكرنا مقادير الديات، وغير ذلك من أحكام الجنايات والجراحات.

وقوله: فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة يعني: الرجل المؤمن يقتل وقومه كفار، لا مؤمن فيهم يستحق ديته; فلا دية على قاتله، وعليه عتق رقبة، روي معناه عن ابن عباس ، وغيره.

وقيل: كان الرجل يسلم ويبقى مع قومه; فيقتل في الحرب، فنزلت الآية في ذلك، روي معناه عن مالك ، وغيره، وإنما يكون ذلك على هذا القول: إذا قتل في دار الحرب، وسواء -على قول ابن عباس - قتل في دار الحرب أو في دار المسلمين .

وقوله: وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة يريد: إن كان المقتول من قوم بينكم وبينهم عهد، فادفعوا إليهم الدية.

قال مالك: هو المؤمن من قوم معاهدين، وقيل : هو الكافر من المعاهدين إذا عوهدوا على ذلك.

فإن كان كتابيا; فديته عند مالك وغيره: نصف دية المسلم، وعند الشافعي، وأبي ثور، وغيرهما : ثلث دية المسلم، وعند أبي حنيفة ، وأصحابه ، وغيرهم: ديته كدية المسلم.

[ ص: 311 ] ودية المجوسي عند مالك ، والشافعي، وغيرهما: ثمان مئة درهم، وعند أبي حنيفة ، وأصحابه : مثل دية المسلم، وعن عمر بن عبد العزيز : نصف دية المسلم.

وديات نساء الكفار: نصف ديات رجالهم; كالحكم في نساء المسلمين.

فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين يعني: بدلا من الرقبة

الواجبة عند عدمها، وليس فيه إطعام.

وقوله : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها الآية.

قال كثير من العلماء: إن المعنى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا ، مستحلا لقتله، لا يراه حراما; فهو إذا فعل ذلك كافر بإجماع، وكذلك كل من أحل حراما ، أو حرم حلالا على سبيل الاعتقاد.

وقيل: المعنى: فجزاؤه جهنم إن جازاه، ويجوز ألا يجازيه، ويدل على ذلك: أن الله ـ عز وجل ـ ذكر قتل النفس في جملة ما ذكره في (الفرقان) ، [68] ، ثم استثنى في الجميع التوبة، وقال: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، [ ص: 312 ] وقد جاءت في هذا أخبار; منها: ما روي عن ابن عباس أنه قال: التي في (الفرقان) [68] نزلت في أهل الشرك، وعن زيد بن ثابت: نزلت (النساء) بعد (الفرقان) بستة أشهر، وعنه: نزلت: ومن يقتل مؤمنا متعمدا بعد: إن الله لا يغفر أن يشرك به بأربعة أشهر، وكان ابن عباس و ابن زيد لا يريان للقاتل عمدا توبة، وكان علي بن أبي طالب، وابن عمر، وغيرهما من السلف: يرون له التوبة ، وكان ابن شهاب إذا سأله سائل عن ذلك، قال له: أقتلت؟ فإن قال: لا، قال: لا توبة للقاتل عمدا، وإن قال: نعم; قال: له توبة.

وقيل: إن هذه الآية نزلت في رجل بعينه ، أسلم، ثم ارتد وقتل مؤمنا.

وقيل: نزلت في رجل من الأنصار، قتل له ولي، فقبل الدية، ثم وثب على قاتله فقتله، وارتد، قاله ابن جريج، وغيره.

[ ص: 313 ] قال الطبري : جزاؤه جهنم حقا، ولكن الله يعفو ويتفضل على أهل الإيمان به وبرسوله; فلا يجازيهم بالخلود فيها، إما أن يعفو فلا يدخلهم، وإما أن يدخلهم ثم يخرجهم بفضل رحمته; لقوله: إن الله يغفر الذنوب جميعا .

وقتل العمد يكون عند مالك بحجر، أو عصا، أو حديد، وقال غيره :

لا يكون إلا بحديد.

وأثبت الشافعي وغيره شبه العمد; وهو الضرب بخشبة ضخمة، أو حجر، ولم يره مالك; إذ لا نص فيه.

وقوله: يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا الآية.

قال ابن عباس : نزلت في قوم من المسلمين، مروا براع، فقال: سلام عليكم، فقالوا: إنما تعوذ، فقتلوه، قال ابن عباس ، وقتادة، وغيرهما: كان من غطفان، واسمه مرداس.

[ ص: 314 ] ابن عمر: هو عامر بن الأضبط.

[قال سعيد بن جبير]: والقاتل: المقداد ابن الأسود، وقال ابن زيد : أبو الدرداء، وقال ابن عمر: محلم بن جثامة بن قيس الليثي، وقال السدي: أسامة بن زيد.

وفي الخبر: أن الذي قتله دفن، فلفظته الأرض ثلاث مرات، فأمر به النبي

صلى الله عليه وسلم، فألقي في غار، وقال: إن الأرض تقبل من هو شر منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية