التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير:

قوله: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم قال ابن عباس ، وقتادة: هو أن يدعو على من ظلمه، ومعناه عند مجاهد: أن يخبر بظلم ظالمه ، قال : ونزلت بسبب رجل ضاف قوما; فلم يحسنوا إليه; فالمعنى: لكن من ظلم; فله أن يذكر ما فعل به.

السدي: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول، لكن من ظلم، فانتصر بمثل ما ظلم به; فليس عليه جناح.

الحسن : هو الرجل يظلم; فلا ينبغي أن يدعو على من ظلمه، ولكن ليقل: اللهم أعني عليه، واستخرج لي حقي منه، ونحوه.

قطرب: إنما يراد بذلك: المكره; لأنه مظلوم، فذلك موضوع عنه وإن كفر، قال: ويجوز أن يكون إلا من ظلم على البدل، كأنه قال: لا يحب الله إلا من ظلم، يريد: أنه يأجره، ولا يحب الظالم، فالتقدير على هذا: لا يحب الله ذا الجهر بالسوء.

[ ص: 374 ] ومن قرأ : إلا من ظلم ; فقال الضحاك : معناه : ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم إلا من ظلم.

ابن زيد : المعنى: لا يحب الله أن يقال لمن تاب من النفاق : ألست نافقت؟ إلا من ظلم; أي: أقام على النفاق، ودل على ذلك قوله: إلا الذين تابوا .

الزجاج: يجوز أن يكون المعنى: إلا من ظلم فقال سوءا; فإنه ينبغي أن يأخذوا على يديه ، فهو على هذا استثناء منقطع، وقيل : المعنى: لا يجهر أحد بالسوء من القول، إلا من ظلم.

وقوله: إن الذين يكفرون بالله ورسله ، الآية; يعني به : اليهود والنصارى، وقد تقدم مثله.

وقوله تعالى: ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا : قال قتادة: اتخذوا اليهودية والنصرانية، وتركوا الإسلام.

ابن جريج: يريدون أن يتخذوا بين ذلك دينا يدينون الله به.

أولئك هم الكافرون حقا : تأكيد يزيل التوهم في إيمانهم، حين وصفهم بأنهم يقولون: نؤمن ببعض، ونكفر ببعض .

والذين آمنوا بالله ورسله ، الآية; يعني به : النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمته.

[ ص: 375 ] يسألك أهل الكتاب أن تنـزل عليهم كتابا من السماء : سألته اليهود أن ينزل عليهم كتابا مكتوبا ، قاله السدي، وغيره.

وتقدم معنى فقالوا أرنا الله جهرة ، ورفع الطور.

ومعنى بميثاقهم بما أعطوه من الميثاق ليعملن بما في التوراة.

فبما نقضهم ميثاقهم أي: [فبنقضهم ميثاقهم، و (ما) : مؤكدة، والباء: متعلقة بمحذوف، التقدير]: فبنقضهم ميثاقهم لعناهم، عن قتادة، وغيره.

الكسائي : هو متعلق بما قبله; والمعنى: فأخذتهم الصاعقة [بظلمهم، إلى قوله: فبما نقضهم ميثاقهم ، قال : ففسر ظلمهم الذي أخذتهم الصاعقة] من أجله بما بعده; من نقضهم ميثاقهم، وقتلهم الأنبياء، وسائر ما بين من الأشياء التي ظلموا فيها أنفسهم، وأنكر ذلك الطبري وغيره; لأن الذين أخذتهم الصاعقة كانوا على عهد موسى، والذين قتلوا الأنبياء، ورموا مريم بالبهتان كانوا بعد موسى بزمان، فلم تأخذ الصاعقة الذين أخذتهم برميهم مريم بالبهتان ، وهذا لا يلزم; لأنه يجوز أن يخبر عنهم والمراد آباؤهم، على ما قدمناه في غير هذا الموضع.

[ ص: 376 ] الزجاج : المعنى : فبنقضهم ميثاقهم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم.

وقيل : المعنى: فبنقضهم ميثاقهم، وفعلهم كذا، وفعلهم كذا; طبع الله

على قلوبهم.

وكرر قوله: (وبكفرهم) ; ليخبر أنهم كفروا كفرا بعد كفر.

وقيل : المعنى: وبكفرهم بالمسيح، فحذف; لدلالة ما بعده عليه، والعامل في (بكفرهم) : هو العامل في (بنقضهم) ; لأنه معطوف عليه، ويجوز أن يكون العامل فيه (طبع) .

ولكن شبه لهم أي : ألقي شبهه على غيره ، وقيل : لم يكونوا يعرفون شخصه، وقتلوا الذي قتلوه وهم شاكون فيه، كما قال : وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ، والإخبار : قيل: إنه عن جميعهم، وقيل: لم يختلف فيه إلا عوامهم، الحسن : معنى اختلافهم فيه: قول بعضهم: إنه إله، [وبعضهم: هو ابن الله ، تعالى الله] .

وما قتلوه يقينا : قال ابن عباس ، والسدي : المعنى: ما قتلوا ظنهم يقينا; [ ص: 377 ] فهو كقولك : (قتلته علما) ; إذا علمته علما تاما.

وقيل : المعنى: وما قتلوا علمهم يقينا.

وقيل: المعنى: وما قتلوا الذي شبه لهم أنه عيسى يقينا، [فالوقف على هذه الأقوال على قوله: (يقينا) .

وقيل: إن المعنى: وما قتلوا عيسى]، والوقف على (وما قتلوه) ، و (يقينا) : نعت لمصدر محذوف; أي: قالوا هذا قولا يقينا، النحاس: إن قدرت المعنى: (بل رفعه الله إليه يقينا) ; فهو خطأ; لأنه لا يعمل ما بعد (بل) فيما قبلها; لضعفها.

وأجاز ابن الأنباري الوقف على قوله: (وما قتلوه) ، على أن ينصب (يقينا) بفعل مضمر هو جواب القسم، تقديره: ولقد صدقتم يقينا; أي: صدقا يقينا ، ويكون بل رفعه الله إليه مستأنفا.

[ ص: 378 ] وقوله: بل رفعه الله إليه أي : إلى سمائه.

وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به : قال ابن عباس ، والحسن، ومجاهد ، وغيرهم: المعنى: ليؤمنن بالمسيح قبل موت الكتابي.

وقيل: إن الهاءين جميعا لعيسى; والمعنى: ليؤمنن به من كان حيا حين

نزوله، وقبل يوم القيامة ، قاله قتادة، وابن زيد ، وغيرهما.

وفي الآية على مذهب سيبويه: حذف موصوف; التقدير : وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به قبل موته، وفيها على مذهب الكوفيين: حذف موصول; التقدير : وإن من أهل الكتاب إلا من ليؤمنن به، وفيه قبح; لأن الصلة كبعض الموصول، فكأنه حذف بعض الاسم.

ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا أي: بأنه بلغ، ويشهد لمن صدقه بالتصديق، وعلى من كذبه بالتكذيب.

فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ; قدم (فبظلم) ; إذ هو الغرض الذي قصد إلى الإخبار عنه بأنه سبب التحريم.

الزجاج : هذا بدل من قوله: فبما نقضهم ميثاقهم .

[ ص: 379 ] و (الطيبات) : ما قصه الله في قوله: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر .

و (الظلم) : هو نقضهم الميثاق، وكفرهم بآيات الله، وما ذكر قبل هذا وبعده.

لكن الراسخون في العلم الآية: الراسخون في العلم : الثابتون فيه.

والمقيمين الصلاة : مذكور في الإعراب.

إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح : هذا متصل بقوله: يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ، فأعلم الله ـ تعالى ـ أن أمر محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كأمر من تقدمه من الأنبياء، وفي عطف بعض الأنبياء على بعض تقديم المتأخر على المتقدم; لأن الواو لا توجب الترتيب.

وكلم الله موسى تكليما : أكده بالمصدر; ليدل على أنه تولى تكليمه بنفسه عز وجل.

لكن الله يشهد بما أنـزل إليك : هذا محمول على المعنى; لأن (لكن) لا تقع إلا بعد نفي، فلما كانوا قد كذبوا; صاروا قد نفوا، وأيضا: فإن بعدها هنا جملة، فوقوعها بعد الإيجاب جائز، وإنما لا تقع (لكن) إلا بعد نفي إذا كان بعدها مفرد.

[ ص: 380 ] أنـزله بعلمه أي: وفيه علمه، وقيل: أنزله وهو يعلم أنك أهل لإنزاله عليك.

والملائكة يشهدون : ذكر شهادة الملائكة; ليقابل بها شهادة الآدميين.

يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم أي: لا تتجاوزوا فيه حد الحق; ويعني بذلك - فيما ذكره المفسرون-: غلو اليهود في عيسى ـ عليه السلام ـ حتى قذفوا مريم، و غلو النصارى فيه، حتى جعلوه ربا.

وقوله: وروح منه : سمي (روحا) ; بسبب نفخة جبريل عليه السلام، فسمي النفخ روحا; لأنه ريح يخرج من روح.

وقيل: سمي روحا; لأنه كان بإحياء الله إياه، وقوله: (كن) ; فالمعنى:

وحياة منه.

وقيل : معنى : (روح) رحمة، قال أبي بن كعب : معنى (وروح منه) : أن الله لما أخرج ذرية آدم من ظهره، وجعلهم أرواحا; كان روح عيسى في تلك الأرواح، فأرسل إلى مريم، فدخل فيها، فحملت.

[ ص: 381 ] وقيل: إن قوله: وروح منه معطوف على المضمر الذي هو اسم الله ـ تعالى ـ في ألقها ، و (الروح) : جبريل; فكان التقدير: ألقى الله وجبريل الكلمة إلى مريم.

وقيل: إن معنى وروح منه : وبرهان منه، سمي روحا; لأنه يحيا به من قبله .

ولا تقولوا ثلاثة أي: لا تقولوا: آلهتنا ثلاثة، عن الزجاج.

غيره: لا تقولوا: الله ثلاثة، كما قالت النصارى: أب، وابن، وروح القدس.

لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون : استدل من يرى أن الملائكة أفضل من الآدميين بهذه الآية، ومعنى (لن يستنكف) : لن يأنف من أن يكون عبدا لله ، ومعنى (المقربين) : المقربون من رحمة الله ورضاه.

وقوله: وأنـزلنا إليكم نورا مبينا يعني: القرآن، عن الحسن، وقتادة، وغيرهما.

و (البرهان) ههنا: النبي صلى الله عليه وسلم، عن الثوري، مجاهد : (البرهان) هنا: الحجة.

[ ص: 382 ] وقوله: إن امرؤ هلك ليس له ولد أي : ليس له ولد ولا والد; لأنه لا يكون كلالة إلا إذا لم يترك ولدا ولا والدا، ودل على هذا المحذوف ذكر الكلالة.

وله أخت يعني: من أبيه وأمه، وقد تقدم ذكر أحكامها.

يبين الله لكم أن تضلوا أي: كراهة أن تضلوا، فحذف المضاف . الكسائي ، وأبو عبيد: لئلا تضلوا، فحذفت (لا) .

وقيل : المعنى: يبين الله لكم الضلال; لتجتنبوه; فـ (أن) والفعل مصدر.

التالي السابق


الخدمات العلمية