التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير:

قوله تعالى: إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم : {قبيله}: جنوده، قال مجاهد : يعني: الجن والشياطين، وقيل {قبيله}: خيله، ابن زيد : {قبيله}: نسله.

[ ص: 26 ] إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون يعني: أنه جعل الشياطين يتولون الكافرين، ويزيدون في غيهم؛ عقوبة لهم على كفرهم.

وقيل: المعنى: إنا سوينا بين الشياطين والكفار في عصيان الله عز وجل.

وفي هذه الآية -في قول بعض العلماء- دليل على أن الجن لا يرون؛ لقوله: من حيث لا ترونهم ، وقيل: جائز أن يروا؛ لأن الله تعالى إذا شاء أن يريهم كشف أجسامهم حتى ترى، وقد جاءت في رؤيتهم أخبار صحيحة.

وقوله: وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها : (الفاحشة) في قول أكثر المفسرين: طوافهم عراة، وقال الحسن : هي الشرك والكفر.

وقوله: والله أمرنا بها : توهموا أن آباءهم لم يكونوا عليها إلا بأمر الله عز وجل.

الحسن : معناه: أنهم قالوا: لو كره الله ما نحن عليه؛ لنقلنا عنه.

كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة : قال مجاهد ، وغيره: من بدئ سعيدا؛ عاد سعيدا، ومن بدئ شقيا؛ عاد شقيا.

وعن ابن عباس : أن المعنى: كما خلقكم أولا تعودون بعد الفناء؛ يعني: من الشقاوة، أو السعادة، وهذا نحو القول المتقدم عن مجاهد .

وقيل: المعنى: كما بدأكم أول مرة كذلك يعيدكم؛ لأنهم أنكروا البعث.

[ ص: 27 ] وقيل: المعنى: أن الناس يحشرون حفاة عراة غرلا؛ والوقف على هذا القول والقول الذي قبله يحسن على {تعودون}، ولا يحسن عليه على القولين الأولين.

يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد الآية:

روي: أنهم كانوا يطوفون عراة، ويحرمون الودك ما أقاموا بالموسم، فقيل لهم: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ؛ أي: لا تسرفوا في تحريم ما لم يحرم عليكم.

ابن زيد : معنى ولا تسرفوا : لا تأكلوا حراما.

قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق : {الطيبات} المستلذ من الطعام، وقيل: الحلال، وقيل: هو عام في كل مباح، وقيل: هو في لبس الثياب في الطواف.

الفراء : كانت قبائل العرب لا يأكلون اللحم أيام حجهم، ويطوفون عراة؛ فنزلت الآية.

قتادة : يعني بذلك: ما حرموه من البحائر والسوائب.

وقوله: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة : قال الضحاك ، وغيره: يشترك فيها المسلمون والمشركون في الدنيا، وتخلص للمسلمين في الآخرة.

وقوله: ولكل أمة أجل أي: وقت موقت.

وقوله: لا يستأخرون ساعة : خصت (الساعة) بالذكر؛ لأنها أقل أسماء الأوقات، والمعنى: لا يستأخرون عنه ساعة، ولا أقل من ساعة.

[ ص: 28 ] وقوله: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب يعني: ما قدر لهم من خير أو شر، عن ابن عباس .

ابن جبير : ما قدر لهم من الشقوة والسعادة.

الحسن ، وأبو صالح: ينالهم نصيبهم من العذاب بقدر كفرهم.

ابن زيد ، وغيره: المعنى في نصيبهم من الكتاب : الرزق والعمل.

وقيل: المعنى: ينالهم ما كتب لهم من سواد الوجوه، وزرقة العيون.

وقيل: هو ما ينالهم في الدنيا من العذاب، دون الآخرة.

واختيار الطبري أن يكون المعنى: ما كتب لهم من خير وشر، ورزق وعمل، وأجل، قال: ألا ترى أنه أتبع ذلك بقوله: حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم ؛ يعني: رسل ملك الموت.

وقيل: المعنى: حتى إذا جاءتهم رسل العذاب يتوفونهم عذابا؛ فهو كقولك: (قتلته بالعذاب)، والأول من استيفاء العدد.

وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين أي: أقروا على أنفسهم بالكفر.

[ ص: 29 ] قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار الآية:

قيل: {في} بمعنى: (مع)، وقيل: هي على بابها؛ والمعنى: ادخلوا في جملتهم.

ومعنى قوله: لعنت أختها : أخوة الملة.

حتى إذا اداركوا فيها جميعا أي: تلاحقوا.

وقوله: عذابا ضعفا من النار : (الضعف): المثل الزائد على مثله، وعن ابن مسعود : أن (الضعف) ههنا: الأفاعي والحيات.

وقوله: ولكن لا تعلمون أي: ولكن لا تعلمون يا أهل الدنيا مقدار ما أعد لكم من العذاب؛ فلذلك تسألون الضعف، ومن قرأ: {لا يعلمون} ؛ بالياء؛ فالمعنى: لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر.

وقوله: فما كان لكم علينا من فضل أي: لأنكم كفرتم كفرنا، فأنتم مثلنا.

وقوله: لا تفتح لهم أبواب السماء قيل: معناه: لا تفتح لهم أبواب الجنة؛ لأن الجنة في السماء، ودل على ذلك قوله تعالى: ولا يدخلون الجنة .

مجاهد ، والنخعي : لا تفتح أبواب السماء لدعائهم وأعمالهم.

[ ص: 30 ] ابن جريج : لا لأعمالهم، ولا لأرواحهم، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث فيها: "أنها لا تفتح لأرواحهم".

ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط أي: لا يدخلونها ألبتة، وهذا مستعمل في كلام العرب، و سم الخياط : ثقب الإبرة.

عن ابن عباس ، وغيره: وكل ثقب في البدن يسمى (سما)، و (سما)، وجمعه: (سموم)، وجمع (السم) القاتل: (سمام).

و {الخياط} و (المخيط): الإبر؛ كما يقال: (إزار، ومئزر).

و {الجمل}: واحد الإبل، وفيه وجوه من القراءات مذكورة في موضعها.

لهم من جهنم مهاد أي: فراش.

ومن فوقهم غواش أي: غاشية من العذاب فوق غاشية.

وكذلك نجزي الظالمين يعني: الكفار.

ونـزعنا ما في صدورهم من غل : (الغل): الحقد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الغل على باب الجنة كمبارك الإبل، قد نزعه الله تعالى من قلوب المؤمنين".

[ ص: 31 ] وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا أي: إلى العمل الذي صيرنا إلى هذا.

ونودوا أن تلكم الجنة أي: بأن تلكم الجنة، ويجوز أن تكون {أن} مفسرة للنداء؛ كأنه قال: قيل لهم: تلكم الجنة ؛ أي: هذه الجنة التي وعدتم بها في الدنيا، ويجوز أن يكونوا لما رأوها قيل لهم: تلكم الجنة، قبل أن يدخلوها.

ومعنى أورثتموها بما كنتم تعملون : أورثتم منازلها، ودخولهم إياها برحمة الله عز وجل.

وقيل: الدخول برحمة الله تعالى، وتلك الرحمة إنما تدرك بالعمل، فيكون معنى أورثتموها بما كنتم تعملون : أنهم نالوا الرحمة التي بها دخلوا الجنة بأعمالهم، وقال: {أورثتموها} ؛ لأنهم ورثوا منازل أهل النار التي كانت تكون لهم لو أنهم أطاعوا الله عز وجل، روي معنى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية