التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
الإعراب:

قوله: ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا : يجوز أن تكون {أن} المخففة من الثقيلة، ويجوز أن تكون تفسيرا للنداء.

أن لعنة الله : من شدد ونصب؛ فلأن {أذن} بمعنى: أعلم، ولا يكون بعد (أعلم) إلا (أن) المشددة، أو المخففة منها، وعلى ذلك قراءة من خفف، والقصة مضمرة، أو الحديث، وكذلك (أن) المفتوحة إذا خففت لا بد معها من إضمار؛ لأنها موصولة، والموصول يقتضي الصلة، فهي أشد اتصالا بما بعدها من المكسورة، ولا يحتاج مع المكسورة إذا خففت إلى إضمار.

وقد تقدم القول في: لم يدخلوها وهم يطمعون .

أهؤلاء الذين أقسمتم : {الذين}: خبر عن {أهؤلاء}، فهو في موضع رفع، ولا يكون صفة لـ {أهؤلاء} ؛ لأن المبهم لا يوصف إلا بالجنس، ولأن المبتدأ يبقى بغير خبر.

[ ص: 50 ] وقوله: ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون : من قرأ: {ادخلوا} على الأمر؛ فعلى أن الله تعالى قال لهم ذلك، ويجوز أن يكون لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون في موضع الحال، ويجوز أن يكون كلاما مستأنفا.

ومن قرأ: {أدخلوا} [احتمل أن يحمل على إضمار (قد)، كأنه قال: قد أدخلوا الجنة]، وكذلك تقدير قراءة من قرأ: {دخلوا}، ويكون قوله: لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون : في موضع الحال على إضمار القول؛ كأن التقدير: أدخلوا الجنة، أو دخلوا الجنة مقولا لهم: لا خوف عليكم، ولا أنتم تحزنون.

ويجوز أن يكون كلاما مستأنفا، فلا يحتاج فيه إلى إضمار القول، كأنه استأنف مخاطبتهم بذلك، فلا يكون للجملة موضع من الإعراب.

ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة : هدى ورحمة : منصوبان على الحال، ويجوز رفعهما على إضمار (هو)، وجرهما على البدل من (كتاب).

فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا : {فيشفعوا}: جواب الاستفهام، وفيه معنى التمني؛ التقدير: إن نرزق شفعاء يشفعوا لنا، وإن نرد نعمل غير الذي [ ص: 51 ] كنا نعمل، فتمنوا الشفعاء، وقطعوا بالشفاعة، وتمنوا الرد، وضمنوا عمل ما لم يكونوا يعملونه.

ومن رفع (نرد)، و (نعمل) ؛ فعلى أنهم تمنوا الشفعاء والرد، وتمنوا إن ردوا أن يوفقوا لعمل ما لم يكونوا يعملونه أول مرة، ويجوز أن يكون (نعمل) معطوفا على {نرد} لفظا، وهو في النية جواب، وشبهه بعضهم بقوله: وامسحوا برءوسكم وأرجلكم [المائدة: 5]، وقد تقدم ذكره.

ومن نصب الفعلين؛ عطف {نرد} على {فيشفعوا} ؛ فالتقدير: إن نرزق شفعاء؛ يشفعوا لنا، فنسلم بشفاعتهم من العذاب، أو نرد، فتمنوا الشفعاء وحدهم، وقطعوا بالشفاعة، أو بالرد، وقيل: التقدير في النصب: إلا أن نرد؛ كما قال: [من الطويل]


فقلت له: لا تبك عينك إنما نحاول ملكا أو نموت فنعذرا

والتشديد والتخفيف في يغشي الليل النهار على ما تقدم في أمثاله، ومن قرأ: {يغشى الليل النهار} ؛ فمعناه: أن النهار يغشى الليل، وفي الكلام حذف؛ لأن [ ص: 52 ] كل واحد منهما يغشى صاحبه؛ والمعنى: يغشى الليل النهار، ويغشى النهار الليل، والجملة في موضع الحال؛ والتقدير: استوى على العرش يغشى الليل النهار بأمره؛ فحذف العائد، وقوله: يطلبه حثيثا بدل من {يغشى الليل النهار}، ويحتمل أن تكون الجملة منقطعة، ليست بحال.

وتقدير قراءة الجماعة: يغشي الله الليل النهار، ويجوز أن تكون الجملة أيضا في موضع الحال؛ التقدير: استوى على العرش مغشيا الليل النهار، وقوله: يطلبه حثيثا حال من {الليل} ؛ أي: يغشي الليل النهار طالبا له، و {حثيثا}: بدل من (طالب) المقدر، أو نعت له، أو نعت لمصدر محذوف.

ويجوز أن يكون {يطلبه} حالا من {النهار} وإن كان مفعولا، ونظيره قوله تعالى: فأتت به قومها تحمله [مريم: 27]؛ يجوز أن يكون {تحمله} حالا من (مريم)، ويجوز أن يكون حالا من (عيسى)، ولو كان في النص: (تحمله إليهم) ؛ لجاز أن يكون {تحمله} أيضا: حالا من {قومها}.

والنصب والرفع في والشمس والقمر كل في فلك يسبحون بينان.

وقوله: {نشرا بين يدى رحمته}: من قرأ: {نشرا} ؛ جاز أن يكون جمع (ناشر) ؛ على معنى النسب؛ أي: ذات نشر؛ فهو مثل: (شاهد، وشهد)، وجاز أن يكون جمع (نشور)، و (نشور): بمعنى: منشر؛ فكأن المعنى: رياح منشرة، [ ص: 53 ] ويجوز أن يكون معنى (نشور): ناشرا، ووصفت الريح في قراءة من أفرد بالجمع؛ لأنها اسم مفرد يراد به الكثرة.

ومن قرأ: {نشرا} ؛ فهو مخفف من (نشر).

ومن قرأ: {نشرا} ؛ فهو مصدر في موضع الحال، وهو يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون النشر الذي هو خلاف الطي؛ فكأنها كانت بانقطاعها مطوية، فنشرت.

والثاني: أن يكون بمعنى الحياة، فيراد بالمصدر الفاعل؛ كقولك: (أتانا ركضا) ؛ أي: راكضا، أو يراد به المفعول؛ فيكون المعنى: منشرة؛ أي: محياة، فـ (النشر) على هذا بمعنى: الإنشار، وحذفت زوائد المصدر؛ كما حذفت في: (عمرك الله)، والأصل: (تعميرك).

ومن قرأ: {بشرا}، أو {بشرا} ؛ فهو جمع (بشير)، و (بشر): [ ص: 54 ] مخفف من (بشر).

ومن قرأ: {بشرا} ؛ فهو مصدر في موضع الحال؛ والمعنى: باشرات، و (باشرات): بمعنى: مبشرات؛ [كقوله تعالى: يأتينك سعيا [البقرة: 260]؛ أي: ساعيات.

ومن قرأ: {بشرى} ؛ مثل: (فعلى) ؛ فمعناها أيضا: مبشرات]، وموضعها نصب على الحال.

ومن قرأ: {نشرا} ؛ فعلى حذف المضاف؛ والتقدير: ذوات نشر، و (النشر): أن تنتشر الغنم بالليل، فترعى، فشبه السحاب في انتشاره وعمومه من كل الجهات بالغنم المنتشرة للرعي.

ومن قرأ: {لا يخرج إلا نكدا} ؛ فهو مصدر؛ [وتقديره: لا يخرج إلا ذا نكد، فانتصابه على أنه مصدر]، ويجوز أن يكون منصوبا على الحال.

[ ص: 55 ] [ومن قرأ: {نكدا} ؛ فهو منصوب على الحال].

ومن قرأ: {نكدا} ؛ فهو مخفف من (نكد)، وانتصابه على الحال أيضا، ويجوز أن يكون مصدرا أيضا؛ على تقدير: ذا نكد.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية