التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير:

معنى قوله: أو لتعودن في ملتنا : ليعودن من اتبعك، فغلب الأكثر.

[ الزجاج : يجوز أن يقال: عاد علي من فلان مكروه] وإن لم يكن سبقه مكروه قبل ذلك؛ أي: لحقني ذلك منه.

فقال لهم شعيب: أولو كنا كارهين : قيل: المعنى: أتخرجوننا وإن كنا كارهين؟ وقيل: المعنى: أتعيدوننا في ملتكم ولو كنا كارهين؟

وقوله: وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا : الاستثناء ههنا على وجه التسليم لله عز وجل، وقد قيل: إنه كقولك: (لا أكلمك حتى يبيض الغراب)، والغراب لا يبيض أبدا.

[ ص: 70 ] وقيل: المعنى: إلا أن يشاء الله ربنا وجها من وجوه البر الذي تتقربون به إلى الله عز وجل، فيأمرنا به، فنعمله، فنكون قد عدنا.

وسع ربنا كل شيء علما أي: أحاط به، فلا يخفى عليه منه شيء.

ربنا افتح بيننا أي: احكم بيننا.

كأن لم يغنوا فيها أي: يقيموا، و (المغاني): المنازل.

وإعادة {الذين} في قوله: الذين كذبوا شعيبا ؛ لتعظيم الأمر وتفخيمه.

فكيف آسى على قوم كافرين أي: كيف أحزن؟

وقوله: إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون أي: يخضعون، ويستكينون، وتقدم القول في: (البأساء) و (الضراء).

وقوله: ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة : (السيئة) و ( الحسنة ): الشدة والرخاء، عن ابن عباس ، وغيره.

وقوله: حتى عفوا أي: كثروا، عن ابن عباس وغيره، ابن زيد : كثرت أموالهم وأولادهم، و (عفا): من الأضداد، يقال: (عفا) ؛ إذا كثر، و (عفا) ؛ إذا درس، ومعنى الآية: أن الله تعالى أعلم أنه أخذهم بالشدة والرخاء؛ فلم يزدجروا، ولم يشكروا.

وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء : فنحن مثلهم.

فأخذناهم بغتة أي: فجأة.

ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض يعني: المطر، والنبات.

[ ص: 71 ] أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا يعني: المكذبين بالنبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أي: مشتغلون فيما لا نفع لهم فيه.

أفأمنوا مكر الله يعني: استدراجه إياهم من حيث لا يعلمون.

فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون يعني: الذين يأمنونه؛ جهلا بقدرته.

أولم يهد للذين يرثون الأرض : قال ابن عباس : معنى أولم يهد : أولم يستبن، وقيل: المعنى: أولم يهد الهدى، وقيل: معناه: أولم يهد الله، ومعناه: يبين.

فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل أي: فما كان هؤلاء الذين أرسلنا إليهم الرسل، فكذبوهم، ليؤمنوا -لو ردوا إلى الدنيا- بما كذبوا به قبل إهلاكهم، قاله مجاهد .

الربيع بن أنس : كان في علم الله يوم أخذ عليهم الميثاق أنهم لا يؤمنون.

السدي : آمنوا يوم أخذ عليهم الميثاق كرها، فلم يكونوا ليؤمنوا الآن حقيقة.

كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين : [أي: مثل طبعه على قلوب هؤلاء المذكورين؛ كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين] بمحمد صلى الله عليه وسلم.

[ ص: 72 ] وما وجدنا لأكثرهم من عهد : قال الحسن : العهد الذي عهد إليهم مع الأنبياء: أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا.

أبو عبيدة: المعنى: ما وجدنا لأكثرهم حفظا ولا وفاء.

وقوله: فظلموا بها يعني: جعلوا بدل الإيمان بها الكفر؛ لأن (الظلم) وضع الشيء في غير موضعه.

وقيل: المعنى: ظلموا أنفسهم بجحدها، فبين الوجه الذي ظلموا منه.

وقوله: حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق أي: واجب علي ذلك.

ومن قرأ: على أن لا أقول ؛ فمعناه: حريص على ألا أقول، وقيل: إن {على} بمعنى الباء؛ والمعنى: حقيق بألا أقول.

فإذا هي ثعبان مبين أي: مبين أنها حية، وروي: أن فرعون استغاث بموسى وقد قصدته الحية، فكفها عنه.

ونـزع يده أي: أخرجها، وأظهرها، ابن عباس ومجاهد : أخرج يده من جيبه؛ فإذا هي بيضاء من غير سوء؛ أي: من غير برص، وكان موسى عليه السلام [ ص: 73 ] أسمر، شديد السمرة، ثم أعاد يده إلى كمه، فعادت إلى لونها الأول.

وقوله: إن هذا لساحر عليم أي: عليم بالسحر.

يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون قيل: هو من قول الملأ، وقيل: هو من قول فرعون مجيبا للملأ.

وقوله: قالوا أرجه وأخاه أي: أخره، عن ابن عباس ، قتادة : احبسه.

وجاء السحرة فرعون : قال ابن جريج : كانوا تسع مئة؛ من العريش، والفيوم، والإسكندرية؛ أثلاثا.

وهب: كانوا خمسة عشر ألفا، وكان معهم -فيما روي- حبال وعصي، يحملها ثلاث مئة بعير، فالتقمت الحية ذلك كله.

وإنكم لمن المقربين أي: لمن أهل المنزلة الرفيعة.

فلما ألقوا سحروا أعين الناس أي: خيلوا لهم.

واسترهبوهم أي: استدعوا رهبتهم.

وجاءوا بسحر عظيم أي: عظيم في أعين الرائين له، قال ابن زيد : كان الاجتماع بالإسكندرية، فبلغ ذنب الحية وراء البحيرة.

وقوله: قال فرعون آمنتم به ، إلى قوله: ثم لأصلبنكم أجمعين : هذا قول فرعون للسحرة حين آمنوا.

[ ص: 74 ] قال ابن عباس : كان فرعون أول من صلب، وقطع الأيدي والأرجل من خلاف.

و (التقطيع من خلاف): أن تقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى، والرجل اليمنى مع اليد اليسرى، قاله الحسن ، وغيره.

أفرغ علينا صبرا أي: أصببه علينا.

وقوله: ويذرك وآلهتك : قال الحسن : كان فرعون يعبد الأصنام؛ فكان يعبد، ويعبد.

السدي : كان يعبد ما يستحسن من البقر؛ ولذلك صنع السامري العجل.

الزجاج : كانت له أصنام يعبدها قومه؛ تقربا إليه؛ فنسبت إليه.

والدليل على أنهم كانوا يعبدون غيره: قوله: أنا ربكم الأعلى [النازعات: 24].

وقوله: قال سنقتل أبناءهم يعني: أبناء بني إسرائيل الذكور.

ونستحيي نساءهم يعني: بناتهم يستخدمهن ويمتهنهن.

قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا روي: أن السحرة لما آمنت بموسى عليه السلام؛ اتبعه ست مئة ألف من بني إسرائيل.

قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا يعنون: الاستعباد، وقتل البنين، وإحياء البنات.

ومن بعد ما جئتنا يعنون: الوعيد الذي كان من فرعون، وقالوا ذلك على وجه الاستبطاء لما وعدهم به من الغلبة، فجدد لهم الوعد، فقال: عسى ربكم أن يهلك عدوكم .

[ ص: 75 ] قال الحسن : {عسى} من الله واجبة.

وقد استخلفوا في مصر في زمن داود وسليمان عليهما السلام، وفتحوا بيت المقدس مع يوشع بن نون، وروي: أنهم إنما قالوا ذلك حين أتوا البحر، ورأوا فرعون وراءهم، والبحر أمامهم.

وقوله: فينظر كيف تعملون : مجاز؛ والمعنى: بعلمه العلم الذي يجب به الجزاء.

ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين يعني: الجدوب، مجاهد : الجوائح.

ونقص من الثمرات يروى: أن ثمارهم نقصت حتى كانت النخلة لا تحمل إلا تمرة واحدة.

فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه .. الآية.

{الحسنة} ههنا: الخصب، و (السيئة) التي كانوا يتطيرون بموسى معها: الجدب، ومعنى قولهم في الحسنة : لنا هذه أي: أعطيناها باستحقاق، ومعنى {يطيروا}: يتشاءموا، وأصله: من زجر الطير، والعرب تتيمن بالسانح؛ وهو [ ص: 76 ] الذي يأتي من ناحية اليمين، وتتشاءم بالبارح؛ وهو الذي يأتي من ناحية الشمال، فقال الله تعالى: إنما طائرهم عند الله أي: هو الذي يأتي بطائر البركة والشؤم، وقيل: معناه: حظهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية