التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
[ ص: 193 ] القول في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا إلى آخر السورة [الآيات: 46- 76].

يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون [ ص: 194 ] وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب.عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير [ ص: 195 ] والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم .

الأحكام والنسخ:

قوله تعالى: فانبذ إليهم على سواء : قيل: معناه: انبذ إليهم عهدهم جهرا لا سرا؛ حتى يستوي فيه علمك وعلمهم، وقيل: لتكون أنت وهم في العداوة سواء.

وإن جنحوا للسلم فاجنح لها : قال قتادة ، وعكرمة ، وغيرهما: نسخها: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [التوبة: 5] وقاتلوا المشركين كافة [التوبة: 36]، وقالا: نسخت (براءة) كل موادعة، حتى يقولوا: لا إله إلا الله.

ابن عباس : الناسخ لها: فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم [محمد: 35].

وقوله: حرض المؤمنين على القتال إلى قوله: وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا : قال ابن عباس : فرض على الرجل أن يقاتل عشرة بقوله: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ، ثم خفف عنهم، فكتب عليهم ألا يفر [ ص: 196 ] مئة من مئتين، فهو على هذا القول تخفيف لا نسخ، وروي عنه أيضا: أنه نسخ.

ابن شبرمة : وأنا أرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كذلك.

وقوله تعالى: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض : أعلم الله تعالى أن قتل الأسرى الذين فودوا يوم بدر كان أولى من فدائهم.

ابن عباس : نزل هذا يوم بدر والمسلمون قليل؛ فلما كثروا، واشتد سلطانهم؛ نزل: فإما منا بعد وإما فداء [محمد: 4]، فنسخ ذلك قتل الأسرى.

ومذهب مالك : أن الإمام مخير في الأسرى؛ إن شاء فادى بهم أسرى المسلمين، وإن شاء قتل، قال: وأمثل ذلك عندي أن يقتل من خيف منه.

وقال جماعة من العلماء: الإمام مخير؛ إن شاء من، وإن شاء فادى، وإن شاء قتل، وهو مذهب الشافعي .

الثوري ، والأوزاعي : لا يقتل الأسير حتى يبلغ الإمام، إلا أن يخاف منه، ومن قتله بعد وصوله إلى الإمام؛ غرم ثمنه، وإن قتله قبل وصوله عوقب، ولا غرم عليه.

وسبب نزول هذه الآية: ما جرى يوم بدر في قصة الأسرى حين [ ص: 197 ] شاور النبي صلى الله عليه وسلم فيهم المسلمين، فأشار عليه أبو بكر رضي الله عنه باستبقائهم، وأشار عمر رضي الله عنه بضرب أعناقهم، وأشار عبد الله بن رواحة بإحراقهم، وقد ذكرت خبرهم في "الكبير".

وقوله: فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا : هذا ناسخ لما كان من حظر الله تعالى الغنائم على من كان قبلنا.

وقوله: أولئك بعضهم أولياء بعض : قال ابن عباس ، وغيره: المعنى: أولى ببعض في المواريث، وكانوا يتوارثون بالهجرة، فنسخ ذلك بقوله: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، وكذلك قوله: والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم ... الآية: منسوخ بالفرائض والمواريث.

وقيل: ليس في ذلك نسخ، وإنما معناه: في النصرة والمعونة.

التالي السابق


الخدمات العلمية