التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير:

قوله تعالى: وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله : [ ص: 249 ] الإخبار عن اليهود والنصارى في هذه الآية لفظه عموم، ومعناه الخصوص؛ لأن قائل ذلك بعضهم. وقيل: إن قائل ما حكي عن اليهود: سلام بن مشكم، ونعمان بن أوفى، وشأس بن قيس، ومالك بن الصيف، قالوه للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية فيهم، قاله ابن عباس.

وقوله تعالى: ذلك قولهم بأفواههم : أكد بـ(الأفواه) ؛ إذ قد يخبر بـ(القول) عن الاعتقاد، [ويجوز أن يريد الله تعالى: أنه قول منهم، لا يعضده برهان، ولا يرجعون فيه إلا إلى اللسان، ويجوز أن يكون {بأفواههم} تأكيدا].

يضاهئون قول الذين كفروا من قبل أي: يشابهون.

وقوله تعالى: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله معنى اتخاذهم إياهم أربابا: أنهم أحلوا لهم الحرام، فاستحلوه، وحرموا عليهم الحلال؛ فحرموه، روي معنى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله تعالى: أن يطفئوا نور الله بأفواههم : قال الحسن: يعني: القرآن والإسلام، وقيل: هو الدلالة والبرهان.

وقوله تعالى: ليظهره على الدين كله : قال أبو هريرة: هذا عند خروج [ ص: 250 ] عيسى عليه السلام، وقيل: المعنى: ليعلمه شرائع الدين كلها؛ فتكون الهاء في {ليظهره} للنبي صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس، والهاء في القول الأول لـ {الدين} .

وقوله تعالى: ولا ينفقونها في سبيل الله : الضمير للكنوز، ودل عليها {يكنزون} ، وقيل: هو للفضة التي أخبر عنها، واستغنى عن الإخبار عن الذهب إيجازا واختصارا، ومثله: وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها [الجمعة: 11].

وقوله تعالى: ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض : قال مجاهد، والحسن: هذا في غزوة تبوك، وكانت في شدة الحر.

أرضيتم بالحياة الدنيا أي: بنعيم الحياة الدنيا.

وقوله تعالى: يعذبكم عذابا أليما : قال ابن عباس: هو حبس القطر الذي حبسه عنهم حين تثاقلوا عن الخروج.

وقوله: ولا تضروه شيئا : قيل: (الهاء) لله تعالى، وقيل: للنبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين يعني: أبا بكر رضي الله عنه؛ والمعنى: أحد اثنين، واستدل بعض أهل العلم بخروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغار على جواز الفرار مما يخاف، وفساد قول من منع ذلك وقال: من خاف مع الله سواه؛ لم يؤمن بالقدر.

وقوله: فأنـزل الله سكينته عليه : قيل: على أبي بكر، وقيل: على النبي صلى الله عليه وسلم، والهاء في {وأيده} : للنبي صلى الله عليه وسلم، و (الجنود) : هي الملائكة التي بشرته بالنصر، وإلقاء الرعب في قلوب المشركين حين انصرفوا خائبين.

[ ص: 251 ] وجعل كلمة الذين كفروا السفلى : {جعل} ههنا بمعنى: صير.

وقوله تعالى: لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك : (العرض) : ما يعرض من منافع الدنيا، أخبر تعالى عنهم أنهم لو دعوا إلى غنيمة؛ لاتبعوه.

ولكن بعدت عليهم الشقة : {الشقة} : الغاية التي يقصد إليها، والمراد بذلك كله: غزوة تبوك.

وقوله: عفا الله عنك : قيل: إنه استفتاح كلام؛ كما تقول: رحمك الله، وأعزك الله؛ فالوقف عليه -على هذا- حسن، وقيل: المعنى: عفا الله عنك ما كان من ذنبك في إذنك لهم؛ فلا يحسن الوقف عليه على هذا التقدير.

وقوله تعالى: حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين أي: يتبين لك من صدق ممن نافق، ثم أعلم الله أن الاستئذان في التخلف من غير عذر من علامات النفاق، فقال: لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله ، إلى قوله: فهم في ريبهم يترددون .

{وارتابت} معناه: شكت.

وقوله: أن يجاهدوا أي: كراهة أن يجاهدوا.

فهم في ريبهم يترددون أي: في شكهم يذهبون ويرجعون.

وقوله تعالى: ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة أي: لتأهبوا أهبة السفر، ولكن كره الله انبعاثهم أي: خروجهم، {فثبطهم} أي: حبسهم عنه.

[ ص: 252 ] وقيل اقعدوا مع القاعدين : قيل: هذا من قول بعضهم لبعض، وقيل: هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم، و (القاعدون) : النساء والصبيان.

وقوله: ما زادوكم إلا خبالا يعني: فسادا.

وقوله: ولأوضعوا خلالكم : (الإيضاع) : سرعة السير؛ والمعنى: لأسرعوا فيما يخل بكم؛ أي: ينقصكم.

الحسن: المعنى: لأوضعوا خلالكم بالنميمة، وإفساد ذات البين.

وقيل: معناه: لأسرعوا فيما بينكم بالإفساد، و (خلال القوم) : الفرج التي تكون بين الصفوف.

وقوله تعالى: يبغونكم الفتنة أي: يطلبون لكم الإفساد، وقيل: {الفتنة} ههنا: الشرك.

وفيكم سماعون لهم أي: من يستمع ويخبرهم، قتادة: المعنى: وفيكم من يقبل منهم.

وقوله: ما زادوكم إلا خبالا : ولم يكن المسلمون في خبال؛ لأن التقدير: ما زادوكم قوة، لكنهم يطلبون لكم الخبال، فهو استثناء منقطع.

وقيل: قال ذلك؛ لأن ما يعرض في نفوس المسلمين من الآراء المختلفة كأنه بمنزلة الخبال.

[ ص: 253 ] وقوله تعالى: لقد ابتغوا الفتنة من قبل أي: خبال أصحابك، وصدهم عن دينهم، من قبل أي: من قبل أن ينزل عليك كشف سرائرهم.

وقوله: وقلبوا لك الأمور أي: أجالوا الرأي في إبطال ما جئت به، حتى جاء الحق أي: نصر الله، وظهر أمر الله أي: دينه.

وقوله تعالى: ومنهم من يقول ائذن لي أي: ائذن لي في التخلف، ولا تفتني أي: ولا تؤثمني بالعصيان في مخالفتك، قاله الحسن، وقتادة.

ابن عباس، ومجاهد: قيل لهم: تغزون، فتغنمون بنات الأصفر، فقال الجد بن قيس: ائذن لي، ولا تفتني ببنات الأصفر، والأصفر: رجل من الحبشة، كان له بنات لم يكن في وقتهن أجمل منهن، وكان ببلاد الروم.

ألا في الفتنة سقطوا أي: ألا في الإثم سقطوا.

وقوله تعالى: إن تصبك حسنة تسؤهم أي: غنيمة، وإن تصبك مصيبة أي: هزيمة؛ يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل أي: أخذنا بالحزم إذ لم نخرج.

قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا أي: في اللوح المحفوظ، وقيل: ما أخبرنا به في كتابه من أنا نقتل فنؤجر، أو نقتل فنكون شهداء.

وقوله تعالى: قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين يعني: الغنيمة أو [ ص: 254 ] الشهادة، عن ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما، واللفظ استفهام، والمعنى: التوبيخ.

ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أي: عقوبة تهلككم، أو بأيدينا أي: يسلطنا عليكم فنقتلكم.

{فتربصوا} : تهدد ووعيد.

وقوله تعالى: قل أنفقوا طوعا أو كرها الآية:

لفظه لفظ الأمر، ومعناه: الشرط والجزاء، وروي: أنها نزلت في الجد بن قيس حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم: هذا مالي، أعينك به، ولا أخرج.

وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله : أخبر تعالى أن كفرهم أحبط أعمالهم.

وقوله تعالى: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم الآية:

قال ابن عباس، وقتادة: في الكلام تقديم وتأخير؛ والمعنى: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا؛ إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة.

الحسن: لا تقديم فيه ولا تأخير؛ والمعنى: ليعذبهم بإخراج الزكاة، والإنفاق في سبيل الله، وهذا اختيار الطبري.

ابن زيد: المعنى: ليعذبهم بالمصائب في الحياة الدنيا، فهي لهم عذاب، وللمؤمنين ثواب؛ فلا تقديم فيه أيضا ولا تأخير على هذا التأويل.

[وقيل: تعذيبهم بها في الحياة الدنيا: غنيمة المسلمين أموالهم، وسبيهم [ ص: 255 ] أولادهم، واسترقاقهم إياهم، فلا تقديم فيه ولا تأخير على هذا أيضا.

وقيل: إن قوله: في الحياة الدنيا ظرف لأفعالهم المتعلقة بأموالهم وأولادهم، والمعنى: أنه يعذبهم بأفعالهم القبيحة في أموالهم وأولادهم].

وتزهق أنفسهم وهم كافرون أي: تخرج على الكفر، [وقوله: وهم كافرون : يجوز أن يكون حالا، ويجوز أن يكون مستأنفا؛ معناه: أنهم مع تعذيبهم بأموالهم وأولادهم في الحياة الدنيا وزهق أنفسهم على الكفر صائرون إلى النار]، وقيل: المعنى: يغلظ عليهم المكروه؛ حتى تزهق أنفسهم على الكفر.

وقوله تعالى: ويحلفون بالله إنهم لمنكم الآية: هذا في وصف المنافقين، ومعنى {يفرقون} : يخافون.

وقوله تعالى: لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون : (الملجأ) : الحصن، عن قتادة وغيره، ابن عباس: الحرز، وهما سواء.

و (المغارات) : الغيران، عن ابن عباس.

و (المدخل) : السرب، وهو (مفتعل) من الدخول.

ومعنى {يجمحون} : يسرعون، وأصله: مضي المرء على وجهه، ومنه: (الفرس الجموح) : الذي إذا حمل لم يرده اللجام؛ والمعنى: أنهم لو وجدوا شيئا من هذه الأشياء المذكورة؛ لولوا إليه مسرعين.

ومنهم من يلمزك في الصدقات أي: يطعن عليك، عن قتادة، الحسن:

[ ص: 256 ] يعيبك، و (اللمز) في اللغة: العيب في السر، وروي: أن أعرابيا جافيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم ذهبا، فجلس، فلم يعطه شيئا، فقال: والله لئن كنت تزعم أن الله أمرك بالعدل؛ فما أراك تعدل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويلك، فمن يعدل عليك بعدي؟"؛ فنزلت الآية فيه.

وقوله تعالى: ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله : جواب {لو} محذوف، والتقدير: لو فعلوا ذلك؛ لكان خيرا لهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية