التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير:

بسم الله الرحمن الرحيم :

الاسم عند أهل السنة هو المسمى نفسه، وهو المعنى المفهوم من التسمية، والتسمية غير الاسم، قال الله عز وجل: ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنـزل الله بها من سلطان [يوسف: 40]، فأخبر أنهم عبدوا من دونه الأسماء، وإنما عبدوا الأشخاص، وقال تعالى: اقرأ باسم ربك الذي خلق [العلق: 1].

وأصل اسم الله الذي هو (الله) عند سيبويه: (لاه) ، دخلت عليه الألف [ ص: 119 ] واللام; للتعظيم والتفخيم، لا للتعريف، ولسيبويه أيضا قول آخر: أن أصله: (إله) ، فحذفت الهمزة، وعوض منها الألف واللام.

بعض أصحابه: دخلت الألف واللام على (إله) ، فخففت الهمزة بإلقاء حركتها على اللام وحذفها.

الرحمن الرحيم : صفتان مشتقتان من الرحمة.

فـ {الرحمن} : صفة ممنوعة من المخلوقين; لما فيها من المبالغة، والدلالة على عموم الرحمة; ولذلك قال بعض المفسرين: معنى {الرحمن} : الذي وسعت رحمته كل شيء، وقال بعضهم: {الرحمن} لجميع خلقه في الدنيا، {الرحيم} بالمؤمنين خاصة في الآخرة.

وكرر فيها لفظ الرحمة; لمعنى التأكيد، وقيل: ليدل التكرير على أنه لم يتسم أحد بـ الرحمن الرحيم غير الله عز وجل; لأن مسيلمة الكذاب لعنه الله- [ ص: 120 ] تسمى بـ (الرحمن) .

و {الرحيم} : صفة مطلقة للمخلوقين، ولما في {الرحمن} من العموم قدم في كلامنا على {الرحيم} مع موافقة التنزيل.

{الحمد} : معناه: الثناء على المحمود بكل صفة محمودة، ويستعمل موضع الشكر; لأنه أعم منه، ولا يستعمل الشكر في موضعه.

وقوله تعالى: الحمد لله رب العالمين تعليم من الله عز وجل لخلقه كيف يحمدونه، وقيل: هو حمد منه لنفسه، وإنما يستقبح ذلك من المخلوق الذي لم يعط الكمال، ويستجلب بحمده نفسه المنافع، ويدفع عنها المضار.

والرب: المالك، والرب: السيد، والرب: المصلح.

وواحد {العالمين} : عالم، قال الزجاج: لا واحد لـ (عالم) من لفظه; لأنه جمع لأشياء مختلفة، فإن جعلته لواحد منها; صار جمعا لأشياء متفقة، واشتقاقه من (العلم) و (العلامة) ، فهو دال على خالقه.

ابن عباس : يعني بـ {العالمين} : الملائكة، والإنس، والجن.

مالك يوم الدين : (الملك) ، و (المالك) : مشتقان من (ملكت) ، ومعناه:

[ ص: 121 ] الشد والربط، وقيل: معنى {ملك} : قادر.

و {الدين} ههنا: الجزاء، وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يوم الدين: يوم الحساب» ، وقد يقع (الدين) للدأب والعادة، ويقع للانقياد والطاعة، ويقع للملة.

إياك نعبد : خروج من لفظ الغيبة إلى الخطاب، والعرب تستعمل ذلك، وتقدمة {إياك} على ما يستعملونه من تقدمة الأهم، و (العبادة) : الطاعة مع تذلل وخضوع، (عبد يعبد) ؛ إذا أطاع وخضع، و (عبد من كذا يعبد) ؛ إذا أنف منه.

وإياك نستعين : [أي: وإياك نستعين] على العبادة، وفي هذا دليل على أن العبد غير مستغن باستطاعته عن عون ربه.

اهدنا الصراط المستقيم أي: أرشدنا ووفقنا، وأصل (الهداية) : الدلالة، [ ص: 122 ] ومنه: (هوادي الخيل) ، وغيرها.

وقد يأتي (هديت) بمعنى (بينت) ، نحو: وأما ثمود فهديناهم [فصلت: 17]; [أي: فبينا لهم]، وبمعنى (ألهمت) ؛ نحو: إنا هديناه السبيل [الإنسان: 3]، وبمعنى دعوت; نحو: ولكل قوم هاد [الرعد: 7].

و الصراط المستقيم : الطريق الواضح، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كتاب الله عز وجل» .

الحسن، وأبو العالية : هو النبي عليه الصلاة والسلام وأبو بكر وعمر، وكذلك قالا في: صراط الذين أنعمت عليهم .

وقيل: إن المنعم عليهم المؤمنون عامة، وقيل: الأنبياء، وقيل: هم جميعا.

ومعنى اهدنا الصراط المستقيم : قولوا: اهدنا [الصراط المستقيم]; أمر الله تعالى عباده بالدعاء إليه، ورغبهم فيه، وحضهم عليه.

[ ص: 123 ] والمغضوب عليهم: اليهود، والضالون: النصارى، روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقيل: هو في كل من ضل عن طريق الحق فاستحق الغضب.

التالي السابق


الخدمات العلمية