التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
الإعراب:

قوله تعالى: قالوا سلاما : قال الفراء: (السلم) و (السلام) بمعنى؛ مثل: (الحل) و (الحلال) .

وقيل: (السلام) : السلامة، و (السلم) : الصلح، والرفع في القراءتين على تقدير: أمري سلام، ونحوه، أو على معنى: سلام عليكم، إذا جعل بمعنى السلام الذي هو التحية.

فما لبث أن جاء بعجل حنيذ : في {لبث} -على قول سيبويه- ضمير اسم إبراهيم عليه السلام، و {أن} في موضع نصب بسقوط الجار.

وقيل: (ما) بمعنى: (الذي) ، وفي الكلام حذف مضاف؛ والتقدير: فالذي لبث إبراهيم قدر مجيئه بعجل حنيذ، ففي {لبث} ضمير الفاعل؛ وهو إبراهيم عليه السلام.

وقيل: إن (ما) نافية، وفي {لبث} ضمير إبراهيم عليه السلام.

وقيل: إن (ما لبث) مصدر؛ والتقدير: فلبثه مجيئه بعجل حنيذ؛ أي: إبطاؤه؛ فبين الإبطاء، فـ {أن} على هذا في موضع رفع.

[ ص: 435 ] وقال الفراء: المعنى: فما لبث مجيئه؛ أي: ما أبطأ مجيئه، فـ {أن} أيضا في موضع رفع، ولا ضمير في {لبث}.

وفتح الحاء من {فضحكت} غير معروف.

وقوله: ومن وراء إسحاق يعقوب : من نصب؛ فهو محمول على المعنى؛ التقدير: وهبنا لها إسحاق، ووهبنا لها من ورائه يعقوب.

وأجاز الكسائي، والأخفش، وأبو حاتم: أن يكون {يعقوب} في موضع جر؛ على معنى: وبشرناها من وراء إسحاق بيعقوب، ولم يجزه سيبويه؛ لأن الجار لا يفصل بينه وبين المجرور، ولا بينه وبين الواو.

ومن رفع؛ جاز أن يكون ابتداء مؤخرا معناه التقديم؛ والمعنى: ويعقوب يحدث لها من وراء إسحاق، ويجوز أن يرتفع بالفعل الذي يعمل في ومن وراء ؛ كأن المعنى: وثبت لها من وراء إسحاق يعقوب.

وقوله: وهذا بعلي شيخا : {شيخا}: حال، وكذلك الجملة التي قبله؛ وهي قوله: وأنا عجوز ، والعامل في الحال الإشارة، أو التنبيه، والحال من [ ص: 436 ] المشار إليه؛ فهو كقولك: (هذا زيد قائما)، ولا يجوز أن يقصد بذلك إلى تعريف من لا يعرف زيدا؛ لأن ذلك يوجب أن يكون: زيد ما دام قائما.

ورفع (شيخ) يحتمل على أن يكون (هذا) ابتداء، و {بعلي}: خبره، و {شيخ}: خبرا ثانيا؛ كأنك قلت: هذا شيخ، ويجوز أن يكون {بعلي}: بدلا من {هذا} ؛ [فكأنه قال: بعلي شيخ، ويجوز أن يكون {بعلي}: مبينا عن {هذا} ؛ كأنه أراد: هذا شيخ، ثم بين من هو بقوله: {بعلي}.

وقوله: وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط : أكثر ما يجيء في جواب (لما) الماضي، والمضارع ههنا حكاية حال قد مضت؛ فالمعنى: أخذ يجادلنا في قوم لوط، فلم يذكر (أخذ) ؛ لأن في كل كلام يخاطب به المخاطب إذا أريد به الحال معنى (أخذ).

أبو علي: إن شئت جعلته حالا من {إبراهيم}، وإن شئت من ضميره الذي هو الهاء في {جاءته}، وجاز أن يكون الجواب محذوفا؛ كأنه قال: قلنا: يا إبراهيم؛ أعرض عن هذا، فحذف (قلنا) ؛ لكثرة حذف مثله في التنزيل، وجاز أن يكون المضارع وقع موقع الماضي.

[ ص: 437 ] ومن قرأ: {هن أطهر لكم} ؛ بالنصب؛ فوجهه: أن {هن} خبر مبتدأ، والمبتدأ {بناتي} ؛ فهو كقولك: (زيد أخوك هو)، ويكون {أطهر لكم} حالا من {هن}، أو من {بناتي}، والعامل فيه معنى الإشارة؛ كقولك: (هذا زيد هو قائما)، وأنكر سيبويه هذه القراءة، وقال فيها: (احتبى ابن مروان في لحنه) ؛ يعني: محمد بن مروان؛ وذلك لأن سيبويه ذهب إلى أنه جعل {هن} فصلا، وليست من الجزأين اللذين هما مبتدأ وخبر؛ أعني: هؤلاء بناتي ؛ فيكون مثل قولك: (كان زيد هو القائم) ؛ فعلى هذا التقدير قبحت القراءة عنده.

والرفع في {أطهر} على الابتداء والخبر.

وقوله: أو آوي إلى ركن شديد : من نصب {آوي} ؛ فإنه عطف {آوي} على {قوة} ؛ فكأنه قال: لو أن لي بكم قوة أو أويا إلى ركن شديد؛ أي: أو أن آوي، فهو منصوب بإضمار (أن)، ومثله قول ميسون بنت بحدل الكلبية: [من الوافر].

[ ص: 438 ]

للبس عباءة وتقر عيني [أحب إلي من لبس الشفوف

فنصب (وتقر عيني) ؛ على معنى: لأن ألبس عباءة وتقر عيني].

وعليه ما أنشده سيبويه: [من الطويل]


فلولا رجال من رزام أعزة     وآل سبيع أو أسوءك علقما

التقدير: أو أن أسوءك؛ كأنه قال: أو مساءتي إياك.

وقوله: إلا امرأتك : من قرأ بالرفع؛ فعلى البدل من {أحد}، فهو كقولك: (لا يقم أحد إلا زيد)، فالنهي للوط، واللفظ لغيره؛ كأنه قال: انههم ألا يلتفت منهم أحد إلا امرأتك، وأنكر أبو عبيد الرفع على البدل، وقال: لا يصح ذلك إلا برفع {يلتفت}، ويكون نفيا؛ لأن المعنى يصير إذا أبدلت وجزمت {يلتفت}: أن المرأة أبيح لها الالتفات، وليس المعنى كذلك.

ومن نصب؛ فعلى الاستثناء؛ المعنى: فأسر بأهلك إلا امرأتك، ويجوز أن يكون الاستثناء من النهي؛ لأنه كلام تام.

[ ص: 439 ] وقوله: أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء : من قرأهما بالتاء؛ فالمعنى: ما تشاء أنت يا شعيب.

ومن قرأ بالنون؛ فعلى معنى: أو أن نفعل نحن في أموالنا ما نشاء، ويجوز لمن قرأهما بالتاء أن يعطف {أو أن تفعل} ؛ على مفعول {نترك} ؛ وهو {ما}، أو على مفعول {تأمرك} ؛ وهو {أن}.

ومن قرأ: {نفعل} ؛ بالنون، و {تشاء} ؛ بالتاء؛ كان أو أن نفعل معطوفا على مفعول {تأمرك} ؛ وهو {أن}، [ولا يجوز لمن قرأهما بالنون أن يعطف أو أن نفعل على مفعول {تأمرك} ؛ وهو {أن} ؛ لأن المعنى يتغير، وإنما يعطف على مفعول {نترك} ؛ وهو {ما} ؛ فالتقدير: تأمرك أن نترك، أو تأمرك أن نفعل.

ومن رفع {مثل} في قوله: أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح ؛ فعلى أنه فاعل (يصيب)، ومن نصب؛ فعلى أنه نعت لمصدر محذوف؛ التقدير: [ ص: 440 ] أن يصيبكم العذاب إصابة مثل إصابة من كان قبلكم.

ومن ضم العين من {بعدت ثمود} ؛ فهي لغة تستعمل في الخير والشر، ومصدرها البعد، و {بعدت}: تستعمل في الشر خاصة؛ يقال: بعد يبعد بعدا، فـ (البعد) على قراءة الجماعة بمعنى: اللعنة، وقد يجتمع معنى اللغتين؛ لتقاربهما في المعنى، فيكون مما جاء مصدره على غير لفظه؛ لتقارب المعاني.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية