التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
وقوله تعالى: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه : قال ابن عباس وغيره: {طائره} : عمله، وعنه أيضا: ما قدر عليه لا يفارقه.

الضحاك: رزقه، وأجله، وشقاوته، وسعادته.

وحقيقته: ما يطير له من خير أو شر; فخوطبوا بما يعلمون من استعمالهم في التفاؤل سوانح الطير وبوارحها.

وخص (العنق) ; لأنه موضع القلادة والسمة، والتعاليق تستعمل فيه كثيرا.

وقوله تعالى: كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا أي: محاسبا يحسب عليك أعمالك، فلا تحتاج مع حسابه إلى شاهد.

قال قتادة: سيقرأ يومئذ من لم يكن يقرأ.

وقوله: من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه الآية:

قيل: إنها نزلت في أبي سلمة بن الأسود وكان مؤمنا، وفي الوليد بن المغيرة وكان كافرا، وكان يقول: اتبعوني وأنا أحمل أوزاركم.

وقوله: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا : روي عن أبي هريرة: أن الله تعالى يبعث يوم القيامة رسولا إلى أهل الفترة، والأبكم، والأخرس، والأصم; [ ص: 82 ] فيطيعه منهم من كان يريد أن يطيعه في الدنيا، وتلا الآية.

وقال غيره: إنما ذلك في الدنيا; والمعنى: وما كنا معذبين أحدا بالإهلاك حتى نبعث رسولا.

وقوله تعالى: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها أي: أمرناهم بالطاعة، ففسقوا، عن ابن عباس، وغيره.

قتادة: المعنى: أكثرنا; يعني: {أمرنا} المقصور المخفف، وحكى نحوه أبو زيد، وأبو عبيدة، وأنكره الكسائي، وقال: لا يقال من الكثرة إلا (آمرنا) بالمد، قال: وأصلها: (أمرنا) ; فخففت.

قال ابن عباس: معنى {أمرنا} : سلطنا; أي: جعلنا لهم كثرة وسلطانا، وقيل: جعلناهم أمراء.

ومن قرأ: {أمرنا} ; فهي لغة، ووجه تعدية (أمر) شبهه بـ(عمر) ; من حيث كانت الكثرة أقرب شيء إلى العمارة; فعدي كما عدي (عمر) .

ومن قرأ: {آمرنا} ; بالمد، فالمعنى: أكثرنا عددهم، وقال الحسن: [ ص: 83 ] أكثرنا فسادهم، وهو من قولهم: (أمر بنو فلان) ; إذا كثروا.

و (مترفوها) : مستكبروها، مجاهد: فساقها، وتقدم القول فيه.

وقوله تعالى: من كان يريد العاجلة الآية: أي: من يريدها، ولا يريد الآخرة، ولا يعمل لها.

وقوله: مذموما مدحورا أي: مذموم الأحوال والأعمال، وتقدم معنى {مدحورا} .

وقوله: ومن أراد الآخرة أي: ثوابها، وسعى لها سعيها ; أي: عمل لها عملها، ثم أخبر أن ذلك لا ينفع إلا مع الإيمان.

وقوله: كان سعيهم مشكورا : قال قتادة: شكر الله تعالى حسناتهم، وتجاوز عن سيئاتهم.

كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك : أعلم الله تعالى أنه يرزق المؤمنين والكفار.

وما كان عطاء ربك محظورا أي: ممنوعا.

[ ص: 84 ] وقوله: لا تجعل مع الله إلها آخر : قيل: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد: الأمة، وقيل: الخطاب للإنسان.

وقوله تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه أي: أمر أمرا أحكمه، وفرغ منه.

وقوله: فلا تقل لهما أف : {أف} : كلمة تستعمل في الضجر، خرجت مخرج الكلمة المحكية.

مجاهد: المعنى: لا تستقذرهما كما لم يكونا يستقذرانك.

عطاء: لا تنفض يديك على والديك.

ولا تنهرهما أي: لا تغلظ لهما.

وقل لهما قولا كريما أي: سهلا لينا، عن قتادة، وغيره.

ابن المسيب: قول العبد الذليل للسيد الفظ الغليظ.

واخفض لهما جناح الذل من الرحمة أي: كن بمنزلة الذليل المقهور; إكراما لهما.

وقوله تعالى: ربكم أعلم بما في نفوسكم : قال ابن جبير: هي البادرة تكون من الرجل لأبويه، لا يريد بها إلا الخير، وقيل: هو عام.

فإنه كان للأوابين غفورا قال ابن المسيب: (الأواب) : الذي يذنب، ثم يتوب، ثم يذنب، ثم يتوب، [ثم يذنب، ثم يتوب].

مجاهد، وغيره: هو الراجع عن ذنبه بالتوبة.

[ ص: 85 ] ابن المنكدر: هو المصلي بين المغرب والعشاء.

عون العقيلي: هو المصلي صلاة الضحى.

وقوله تعالى: وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها يعني: عن هؤلاء الذين أمرت بإعطائهم، فإذا لم تجد ما تعطيهم; فلا تؤيسهم.

فقل لهم قولا ميسورا أي: لينا، قال بمعناه ابن عباس، وغيره.

ابن زيد: المعنى: إن خشيتم منهم أن ينفقوا ما تعطونهم في غير طاعة الله تعالى; فقولوا لهم قولا جميلا.

وقيل: إنها نزلت في بلال، وخباب، وعامر بن فهيرة، ونظرائهم من فقراء المسلمين، كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم، فيسكت، ويعرض عنهم; إذ لا يجد ما يعطيهم.

وقوله تعالى: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك : قال قتادة، وغيره: المعنى: لا تمتنع من الإنفاق في الطاعة، ولا تبسط يدك كل البسط; فتنفق في غير حق.

[ ص: 86 ] فتقعد ملوما محسورا معنى قوله: {ملوما} : مذنبا، أو آثما {محسورا} : قد انقطع بك.

وقيل: المعنى: يلومك من يسألك; فلا يجد عندك ما تعطيه.

ابن زيد: المعنى: لا تمسك عن النفقة في الخير، ولا تسرف في النفقة في الحق والباطل.

وأصل (محسور) من (الكلال) .

وقوله: إن قتلهم كان خطئا كبيرا : (الخطء) : ما يكون تعمدا، يقال منه: (خطئ; يخطأ) .

و (الخطاء) مصدر (خاطأ) ، وإن لم يسمع، وقد جاء ما يدل عليه; كقول الشاعر: [من المتقارب]

تخاطأت النبل أحشاءه .....................

فـ (تخاطأ) : مطاوع (خاطأ) .

[ ص: 87 ] و {خطأ} : جائز أن يكون بمعنى: (خطئا) ; كـ (الشبه) ، و (الشبه) ، فجاء بمعنى: (خطئ) ; كما جاء (أخطأ) بمعنى: (خطئ) في قوله تعالى: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [البقرة: 286]، والمعنى: خطئنا; أي: لم نتعمد الذنب; لأن المؤاخذة موضوعة عن المخطئ.

وقيل: إن (الخطأ) و (الخطء) من (خطئت أخطأ) ; فـ (الخطأ) : الاسم و (الخطء) : المصدر، و (الخطاء) : اسم بمعنى المصدر، فهو من (أخطأت إخطاء) ; كـ (العطاء) من (أعطيت) .

و (الخطء) : مصدر (خطئ) أيضا، يقال في مصدره بفتح الخاء وكسرها.

و {خطا} و {خطا} غير مهموز: أصلهما: (خطا) و (خطا) مهموزان، فخففت الهمزة التخفيف القياسي، وجميع هذه الوجوه مقروء بها على ما سيأتي ذكره في القراءات إن شاء الله تعالى.

[ ص: 88 ] وقوله تعالى: فقد جعلنا لوليه سلطانا : قال الضحاك: (السلطان) : أن يقتل قاتل وليه، أو يأخذ الدية، أو يعفو، وقيل: معناه: حجة.

فلا يسرف في القتل : قال مجاهد: لا يقتل غير قاتله.

ابن مسعود: لا يقتل اثنين بواحد.

الضحاك: لا يقتل أبا القاتل، ولا ابنه.

وقيل: المعنى: لا يمثل، وقيل: المعنى: لا يسرف القاتل الأول في القتل.

إنه كان منصورا أي: أن المقتول، وقيل: الولي، وقيل: دم المقتول منصور على القاتل.

أبو عبيد: (الهاء) للقاتل; [والمعنى: أن القاتل كان منصورا إذا أقيد منه في الدنيا، وسلم من عذاب الآخرة.

الفراء: (الهاء) للقتل].

وقوله تعالى: وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا أي: كان مسؤولا عنه من نقضه، وقيل: معنى قوله: {مسئولا} : مطلوبا.

و (العهد) : كل عقد يجب الوفاء به، من أمور الله تعالى، وأمور المخلوقين.

[ ص: 89 ] وقوله: وزنوا بالقسطاس المستقيم : قال مجاهد: (القسطاس) : العدل، الضحاك: هو الميزان.

وقوله: ولا تقف ما ليس لك به علم : قال قتادة: أي: لا تقل: (سمعت) ولم تسمع، ولا (رأيت) ولم تر، ولا (علمت) ولم تعلم.

ابن الحنفية: هذا في شهادة الزور.

و (القفو) : اتباع الأثر، وأصله: من (قاف يقوف قيافة) ; فقلبت: وقد حكى الكسائي: (قفوت أثره) ، و (قفت أثره) .

وقوله: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا : قال الزجاج: كل ما أشرت إليه من الناس وغيرهم، ومن الموات; فلفظه لفظ (أولئك) .

وقيل: يقال ذلك لكل ما تشير إليه وهو متراخ عنك.

وقيل: (هؤلاء) و (أولئك) للجمع القليل، الواقع للتذكير والتأنيث، فإذا [ ص: 90 ] أريد الكثير; جاء بالتأنيث، فقيل: (هذه) ، و (تلك) .

وقوله: ولا تمش في الأرض مرحا أي: مستكبرا، قتادة: لا تمش خيلاء، وكبرا، وقيل: (المرح) : البطر والأشر، وقيل: التبختر في المشي، وقيل: تجاوز الإنسان قدره مستخفا بالواجب عليه، وكل ذلك متقارب.

إنك لن تخرق الأرض [أي: لن تقطعها باستكبارك واختيالك].

ولن تبلغ الجبال طولا : بتطاولك، وقيل: المعنى: لن تنال بذلك شيئا لا يناله غيرك ممن لا فخر ولا اختيال فيه.

وقيل: معنى: لن تخرق الأرض : لن تقطعها كلها; كأنه مأخوذ من (الخرق) ; وهو الفلاة الواسعة، سميت بذلك; لانقطاع أطرافها بتباعدها.

{كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها} أي: كل ما نهي عنه كان سيئة; فـ {كل} أحاطت بالمنهي عنه فقط.

ومن قرأ: {سيئه} ; فلأنه تقدم ذكر حسن وسيئ.

وقوله: أفأصفاكم ربكم بالبنين أي: أفأخلص لكم البنين دونه، [ ص: 91 ] وجعل البنات مشتركات بينكم وبينه؟

التالي السابق


الخدمات العلمية