التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
الإعراب:

من قرأ: (ألا يتخذوا) ; بياء، فلتقدم ذكر الغيبة; والمعنى: هديناهم; لئلا يتخذوا، ومن قرأ بالتاء; جاز أن يكون على الانصراف من الغيبة إلى الخطاب، وجاز أن يكون على إضمار القول، و (أن) زائدة; التقدير: قلنا لهم: لا تتخذوا، ولا يصح إضمار القول إن لم تقدر (أن) زائدة; لأن القول إنما يقع [ ص: 96 ] بعده جملة تحكى، أو مفرد في معنى الجماعة يعمل فيه القول; كقولك: (الله ربنا) ; فيقول الآخر: (حقا) .

ذرية من حملنا مع نوح : نصبها على النداء، وهذا على قراءة من قرأ: {تتخذوا} ; بالتاء، ولا يسهل ذلك في الياء; لأن الياء للغيبة والتاء للخطاب.

ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا لـ {تتخذوا} ، ويكون قوله: {وكيلا} يراد به الجمع، يسوغ ذلك في القراءتين جميعا; [أعني: الياء والتاء في {تتخذوا} .

ويجوز أيضا في القراءتين جميعا] أن يكون {ذرية} بدلا من قوله: {وكيلا} ; لأنه بمعنى الجمع; فكأنه قال: لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح.

ويجوز نصبها بإضمار (أعني) ، ويجوز رفعها على البدل من المضمر في {يتخذوا} في قراءة من قرأ بالياء، ولا يحسن ذلك لمن قرأ بالتاء; لأن المخاطب لا يبدل منه الغائب.

ويجوز جرها على البدل من بني إسرائيل في الوجهين; فأما (أن) من [ ص: 97 ] قوله: ألا تتخذوا ; فهي على قراءة من قرأ بالياء في موضع نصب بحذف الجار; التقدير: هديناهم; لئلا يتخذوا، ويصلح على قراءة التاء أن تكون زائدة، والقول مضمر; كما تقدم، ويصلح أن تكون مفسرة بمعنى: (أي) ، ولا موضع لها من الإعراب، وتكون (لا) للنهي، فيكون خروجا من الخبر إلى النهي.

ومن قرأ: {لتفسدن} ، و {لتفسدن} ; فهما متقاربان; لأنهم إذا أفسدوا; فسدوا، وقد تقدم ذكر تفسيره.

ومن قرأ: {فحاسوا} ; بالحاء غير معجمة; فمعناه قريب من معنى قراءة الجيم; يقال: (حست القوم) ; إذا ترددت في ديارهم، و (جستهم) ; إذا وطئتهم، وخالطتهم، وحكي: أن أبا زيد سمع أبا السمال يقرأ بالحاء; فقال له: إنما هي {فجاسوا} ، فقال له: (جاسوا) و (حاسوا) سواء.

ومن قرأ: {خلل الديار} ; فهو واحد; وهو الفرجة بين الشيئين، وانتصابه على الظرف، وكذلك انتصاب {خلال} .

[ ص: 98 ] وقوله: ليسوءوا وجوهكم : الضمير على قراءة من قرأ: {ليسوءوا} للعباد المتقدم ذكرهم، ومن قرأ: {لنسوء} ; فلأن قبله {بعثنا} و {رددنا} ، ومن قرأ: {ليسوء} ; بالياء; جاز أن يكون الفاعل اسم الله عز وجل; لتقدم {بعثنا} ، و {رددنا} ، وجاز أن يكون الفاعل البعث، ودل عليه {بعثنا} المتقدم.

ومن قرأ: {لنسوءا} ; فعلى إرادة الفاء; كأنه قال: {فلنسوءن وجوهكم} ; على الأمر، واللام في قوله: وليدخلوا المسجد و {ليتبروا} للأمر أيضا، يقوي ذلك: أنه لم يأت لـ(إذا) جواب فيما بعد; فدل ذلك على أن التقدير: فلنسوءن وجوهكم.

وقوله: ما علوا في تأويل المصدر; أي: وقت علوهم; فهو مثل قولك: (جئتك خفوق النجم، ومقدم الحاج) .

[ ص: 99 ] ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير : قوله: {ويدع} محذوف اللام في خط المصحف; لسقوطها من اللفظ; لالتقاء الساكنين، ولا ينبغي الوقف عليه كذلك; والتقدير: ويدع الإنسان بالشر دعاء مثل دعائه بالخير.

وجعلنا الليل والنهار آيتين أي: ذوي آيتين; فحذف المضاف.

ومن قرأ: {ويخرج له يوم القيامة كتابا} ، [أو {ويخرج} ; فالتقدير في القراءتين: ويخرج له، أو يخرج له عمله يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا]، فـ {كتابا} : منصوب على الحال; على تقدير حذف المضاف; أي: ذا كتاب، ومعنى (ذا كتاب) : أنه مثبت في الكتاب الذي قال فيه: لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها [الكهف: 49].

وقوله: كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ولم يقل: (على نفسك) ، والعرب لا تقول: (أنت عليك وكيل) ; لأنه استغنى ههنا عن ذكر النفس; لتقدمها; فاكتفي بتقدم ذكرها من إعادة لفظها، وأتى بالمضمر في موضعها.

[ ص: 100 ] وقوله: {بنفسك} : في موضع رفع، ويجوز في الكلام: (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبة) ; أي: كفت نفسك حسيبة.

وتقدم القول في {أمرنا} .

وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه : الأجود أن تكون (أن) مفسرة; لأن وقضى ربك كلام تام، وقوله: ألا تعبدوا إلا إياه نهي، وقوله: وبالوالدين إحسانا : أمر بعد نهي.

ويجوز أن تكون (أن) الناصبة للفعل; أي: قضى بألا تعبدوا; على أن يكون الفعل بعد الواو القائمة مقام (أن) محذوفا; لأن الواو عاطفة على (أن) ، وحذف الفعل في صلة (أن) قليل، فكذلك ينبغي أن يكون ما يقوم مقامها.

وقوله تعالى: إما يبلغن عندك الكبر : من قرأ: {يبلغن} ; فهو فعل متقدم، و {أحدهما} : مرتفع به، و أو كلاهما : معطوف عليه، والذكر الذي عاد من [ {أحدهما} يغني عن إثبات الضمير في {يبلغن} .

ومن قرأ: {يبلغان} ; فعلى أن الضمير في] {أحدهما} ذكر على وجه [ ص: 101 ] التوكيد، و {أحدهما} : بدل من الضمير الذي في {يبلغان} ، وقيل: هو على لغة من قال: (أكلوني البراغيث) ; فعلى هذا يرتفع {أحدهما} بالفعل، و {كلاهما} معطوف عليه.

وقوله: فلا تقل لهما أف : الفتح والضم والكسر من غير تنوين لالتقاء الساكنين، والكسر الأصل، والفتح لخفته، والضمة إتباع لضمة الهمزة.

و {أف} : اسم غير متمكن بمنزلة الأصوات; فإذا لم ينون; فهو معرفة، وإذا نون; فهو نكرة، ومعنى المعرفة: لا تقل لهما القبيح من القول، ومعنى النكرة: لا تقل لهما قبيحا من القول.

وقيل: إن من فتح ونون; أعمل فيه الفعل; كما يقال: (ما قلت أفا [ ص: 102 ] ولا تفا) ، ومن كسر ونون; شبهه بالأصوات.

وقيل: إن المنون وغير المنون سواء، وإنما التنوين فرق بين المعرفة والنكرة فيما جاء على حرفين; نحو: (صه) ، و (مه) ، إلا أن هذا شبه بما جاء على حرفين من هذه الأصوات، فنون; لأنه يعطي ذلك المعنى من التعريف والتنكير.

واستبعد الأخفش التنوين مع الضم، وقال: لأنه ليس معه لام; كأنه يقدره إذا نونه مرفوعا بالابتداء; مثل: (ويل له) ، وقال في نصبه مع التنوين: إنه مثل: (تعسا له) .

وروي تخفيف {أف} ، وفتح فائها، وقياسها: أنها خففت من {أف} المشددة; استثقالا للتضعيف، وأبقيت الفتحة دلالة على أنها كانت [ ص: 103 ] مشددة، ويجوز إسكانها; لأنها لم يلتق فيها ساكنان.

وضم الذال وكسرها من {الذل} : لغتان، وأكثر الاستعمال: الضم في الإنسان، والكسر فيما سواه من الحيوان.

وقوله: وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا : يجوز أن يكون التقدير: ارحمهما رحمة مثل رحمة تربيتهما إياي صغيرا، ويجوز أن يكون على تقدير: ارحمهما على ما ربياني صغيرا.

وقوله: فإنه كان للأوابين غفورا أي: للأوابين منكم; فحذف، أو يكون المعنى: فإنه كان لكم غفورا; لأن الأوابين هم الصالحون في المعنى.

وتقدم القول في الوجوه المقروء بها في قوله: {خطئا} .

ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق : يجوز أن يكون ولا تقتلوا نهيا، ويجوز أن يكون منصوبا على الحمل على ألا تعبدوا .

وتقدم القول في: فلا يسرف في القتل ، ومن قرأ: فلا يسرف ; فلفظه لفظ الخبر، ومعناه النهي، ويجوز أن يكون على تأويل: ينبغي ألا يسرف في القتل; كما قال: [من الطويل] [ ص: 104 ]

على الحكم المأتي يوما إذا قضى قضيته ألا يجور ويقصد

المعنى: وينبغي أن يقصد.

وضم القاف وكسرها من (القسطاس) : لغتان.

و {الفواد} ; بفتح الفاء: يجوز أن تكون لغة، وهي شاذة، أنكرها أبو حاتم وغيره.

وقوله: كل أولئك كان عنه مسئولا : [أي: كل أفعال أولئك كان عنه مسؤولا; لأنه] لا يسأل عن الجوارح، وإنما يسأل عن أفعالها، وأفرد الذكر; لأنه يعود على {كل} المفرد الذكر وإن كان المعنى على أفعال الجوارح.

وقوله: ولا تمش في الأرض مرحا : مصدر; كأنه قال: لا تمرح مرحا، وإذا كسرت الراء; فهو اسم الفاعل منصوب على الحال.

[ ص: 105 ] وقوله: ولن تبلغ الجبال طولا : يجوز أن ينتصب قوله: {طولا} انتصاب المصدر، ويجوز أن يكون حالا للمخاطب; كقولك: (ذهبت طولا وعرضا) .

ومن قرأ: كل ذلك كان سيئه ; فلتقدم ذكر الحسن والقبيح، ويقويه قوله: {مكروها} ، وكان يكون على {سيئة} : (مكروهة) .

ومن قرأ: {سيئة} ; فكأن الكلام قد انقطع عند قوله: وأحسن تأويلا ، والذي بعده ليس فيه حسن، ويكون قوله: {مكروها} على هذا بدلا من {سيئة} ; فلا يلزم أن يكون فيه ضمير من {سيئة} ; فحسن تذكيره، ولو كان صفة لـ {سيئة} ; للزم أن يكون فيه ضمير، ويؤنث قوله: {مكروها} .

[ويجوز أن يكون قوله: {مكروها} حالا من الضمير الذي في عند ربك ; لأنه صفة للنكرة.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية