التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير :

(فتى موسى ) : هو يوشع بن نون بن إفراييل بن يوسف بن يعقوب عليهم السلام ، ويقال : إنه ابن أخت موسى عليه السلام ، وقيل له : (فتاه ) ، لأنه كان يخدمه .

[ ص: 201 ] ومعنى لا أبرح : لا أزال ، أي : لا أبرح سائرا ، فأضمر الخبر .

و مجمع البحرين في قول قتادة : بحر الروم ، [وبحر فارس ، (بحر الروم ) ] : مما يلي الغرب ، (وبحر فارس ) : مما يلي الشرق ، وعد أن يلتقي الخضر هناك .

وقوله أو أمضي حقبا : (الحقب ) : و (الحقبة ) : زمن من الدهر غير محدود ، وجمع (الحقب ) : (أحقاب ) ، وقيل : (أحقاب ) جمع (حقب ) ، (حقب ) : جمع (حقبة ) .

قال ابن عمر : (الحقب ) : ثمانون سنة ، ابن عباس : الدهر ، مجاهد : سبعون سنة ، الفراء : (الحقب ) في لغة قيس : سنة .

وقوله {نسيا حوتهما : قيل : الذي نسيه يوشع وحده ، فنسب إليهما ، كما قال : يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان [الرحمن :22 ] ، وإنما يخرج من أحدهما ، ونسب الحوت إليهما ، لأنهما تزوداه ، وقيل : نسي موسى أن يتقدم إلى يوشع في أمر الحوت بشيء ، ونسي يوشع أن يخبره بذهاب الحوت في البحر .

وقوله : فاتخذ سبيله في البحر سربا : قال ابن عباس وغيره : أحيي الحوت ، [ ص: 202 ] فأخذ طريقه في البحر مسلكا ، قال : وصار أثر الحوت في الماء كالحجر ، والضمير للحوت ، فكأنه قال : سرب الحوت في البحر سربا ، وقيل : الضمير لموسى عليه السلام ، والمعنى : واتخذ موسى سبيل الحوت في البحر سربا ، و (السرب ) : المذهب ، والمسلك ، وكان الحوت - فيما روي - سمكة مملوحة .

فلما جاوزا أي : جازوا المكان الذي انسرب فيه الحوت .

وقوله : قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا أي : تعبا ، فتذكر يوشع ، وقد كان نسي أن يخبر موسى بانسراب الحوت في الماء ، فقال : إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت ؛ أي : نسيت انسرابه في البحر ، أنسانيه الشيطان أن أذكره لك .

وقوله : واتخذ سبيله في البحر عجبا أي : اتخذ موسى طريق الحوت في البحر عجبا ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، وغيرهما .

وقيل المعنى : واتخذ الحوت سبيله في البحر عجبا .

وقيل : هو جواب من موسى ليوشع حين قال يوشع : واتخذ سبيله في البحر ، فقال موسى : {عجبا} ! أي : أعجبوا عجبا ! فيوقف على هذا على في البحر ، ولا يوقف عليه على ما تقدم .

[ ص: 203 ] وقوله : قال ذلك ما كنا نبغ أي : قال موسى : ذلك ما كنا نطلب ، لأنه جعل له علامة للطريق التي توصله إلى الاجتماع بالخضر .

وقوله : فارتدا على آثارهما قصصا أي : رجعا يقصان الأثر .

يروى : أن موسى ويوشع اتبعا أثر الحوت وقد يبس الماء في ممره فصار طريقا ، فأتيا جزيرة ، فوجدا الخضر قائما يصلي .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : "سمي الخضر ، لأنه جلس على فروة بيضاء فاهتزت خضراء " .

وقوله : قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ؟ فقال له الخضر : قال إنك لن تستطيع معي صبرا ، بمعنى أنه سيرى شيئا ظاهره منكر ، فلا يصبر عليه .

وقوله : فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها : قلع الخضر منها - فيما ذكره المفسرون- لوحين .

وقوله : لقد جئت شيئا إمرا أي منكرا ، عن مجاهد ، وقتادة .

أبو عبيدة : داهية عظيمة .

الكسائي : هو الشيء الشديد ، من قولهم : (أمر القوم ) ، إذا كثروا ، واشتد [ ص: 204 ] أمرهم ، وهو الاسم ، والمصدر : الأمر ، بالفتح .

وقوله : قال لا تؤاخذني بما نسيت : قال أبي بن كعب : أي : غفلت ، وعنه أيضا : لم ينس موسى ، لكنه من معاريض الكلام .

ابن عباس : المعنى : تركت العهد ، يعني : تركه عهده في ألا يسأله .

وقيل : إنه نسي في الأولى ، فاعتذر ، ولم ينس في الثانية ، فلذلك لم يعتذر .

وقوله : ولا ترهقني من أمري عسرا أي : لا تلحق بي ، من قولهم : (رهقه الشيء ) ، إذا غشيه .

أبو زيد : (أرهقته عسرا ) كلفته ذلك .

الفراء : ولا ترهقني : لا تعجلني .

وقوله : فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله : قيل : قتله ، لأن الله تعالى أعلمه أنه لو بلغ لكان كافرا ، وأرهق أبويه طغيانا وكفرا ، وروي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقوله : نفسا زكية أي : بريئة من الذنوب .

وقوله : لقد جئت شيئا نكرا أي : منكرا ، قتادة : النكر أشد من الإمر ، فالمعنى : لقد جئت شيئا أنكر من الأول ، وقال غيره : الإمر أشد من النكر ؛ لأن تغريق جماعة أشد من قتل نفس واحدة .

وقوله : فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض : أخبر عن الجدار بالإرادة مجازا ، [ ص: 205 ] و (الانقضاض ) : السقوط بسرعة .

وقوله : أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر : تقدم القول في (المسكين ) ، واشتقاقه ، وقيل : لم تكن للمساكين ، إنما كانوا يعملون فيها بالأجرة .

فأردت أن أعيبها أي : ليراها الملك الغاصب ؛ فيتركها ، ثم يعيدون ما قلع منها .

وقوله : وكان وراءهم ملك أي : أمامهم ، عن قتادة وغيره ، ومنه : من ورائه جهنم [الجاثية : 10 ) ، وقيل : كان خلفهم ؛ أي : على طريقهم إذا رجعوا وأصله : مما توارى واستتر .

وقوله : وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين : [أي : فكان كافرا ، وأبواه مؤمنين ، وحذف لدلالة المعنى ] ، وكذلك قرأ ابن عباس فيما روي عنه .

وقوله : فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا : قيل : إنه من قول الخضر ، وقيل : هو إخبار من الله عز وجل عن نفسه ؛ ومعناه في الوجهين : فعلمنا ، وقيل : كرهنا .

[ ص: 206 ] ومعنى يرهقهما طغيانا وكفرا : يلحقهما ذلك ، ويحملهما عليه ، وفي الخبر : أن الغلام كان يفسد في الأرض ، ويمنع منه أبواه ؛ لشرفهما ، فإذا شكي إليهما ؛ حلف إنه ما فعل ، وحلفا على قوله وهما يظنانه صادقا .

وقوله : فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة أي : إسلاما ، عن ابن جبير ، الفراء : صلاحا .

وقوله : وأقرب رحما أي : أبر بوالديه من المقتول ، عن قتادة .

ابن عباس : بدلا منه جارية ، ولد من نسلها سبعون نبيا .

ابن جبير : كانت أمه حاملا ؛ فولدت غلاما مسلما .

وقوله : وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنـز لهما الآية :

قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغيرهما : كان الكنز صحف علم ، وقال جعفر بن محمد : (كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه سطران ونصف سطر ، والذي كان مكتوبا فيه : "عجبا للموقن بالرزق كيف يتعب ؟ ! وعجبا للموقن بالحساب كيف يغفل ؟ ! وعجبا للموقن بالموت كيف يفرح ؟ ! " ، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين [الأنبياء : 47 ] ) .

[ ص: 207 ] وروي عن الحسن وغيره من المفسرين قريب من ذلك باختلاف في بعض ألفاظه ، وقيل : كان الكنز لوحين فيهما حكم .

وقوله : وما فعلته عن أمري : يدل على أنه أوحي به إليه .

وقوله : ويسألونك عن ذي القرنين} : روى عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل ذكرته في "الكبير " : ["أن ذا القرنين كان شابا من الروم " ، وقيل في سبب تسميته ] : إنه سمي ذا القرنين ؛ لأنه ضرب على قرنه ، فهلك ، ثم أحيي ، ثم ضرب على قرنه الآخر ، فهلك ، قال علي رضي الله عنه : لم يكن ذو القرنين نبيا ، ولا ملكا ، ولكنه كان عبدا صالحا ، وذكر من ضربه على قرنيه ما قدمناه .

وقيل : سمي ذا القرنين ؛ لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس ، وقيل : سمي بذلك ؛ لأنه بلغ قرني الشمس ، وقيل : سمي بذلك ؛ لأنه كانت له [ ص: 208 ] ضفيرتان ، وقيل : لأنه بلغ قطري المشرق والمغرب .

وذكر ابن وهب عن النبي صلى الله عليه وسلم : "أنه كان يعلق سلاحه بقرون الثريا ، وكان له حمار يضع حافره منتهى بصره " .

وكان اسمه الإسكندر ، وقيل : كان اسمه مرزبا بن مرزبة ، وكان من ولد يونان بن يافث بن نوح عليه السلام .

وروي : أنه خرج يطلب نهر الحياة ، وكان على مقدمته الخضر ، فوقع الخضر على نهر الحياة ، ولم يقع عليه ذو القرنين .

وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : كان ذو القرنين ملكا .

وقوله : وآتيناه من كل شيء سببا أي : علما ، يتسبب به إلى ما يريد ، عن ابن عباس ، وقتادة ، وغيرهما .

وقوله : فأتبع سببا أي : طريقا بين المشرق والمغرب ، عن مجاهد ، وقتادة ، وغيرهما .

وقوله : وجدها تغرب في عين حمئة أي : ذات حمأة ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، وغيرهما .

[ ص: 209 ] قال كعب الأحبار : في التوراة : أن الشمس تغرب في ماء وطين .

ومن قرأ : {حامية} القراءات ؛ فمعناه : حارة ، ويجوز أن يكون الأصل : (حامئة ) ؛ فخففت الهمزة ، فتكون كالأولى ، ويجوز أن تكون حارة ذات حمأة ، فتجتمع فيها القراءتان جميعا .

القتبي : يجوز أن تكون العين في البحر ، والشمس تغيب وراءها .

وقوله : قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا : استدل قوم بهذا على أن ذا القرنين نبي ، ويجوز أن يكون خوطب بذلك على لسان نبي .

وخير ذو القرنين بين هذين الحكمين ، كما خير محمد صلى الله عليه وسلم بقوله : فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم [المائدة : 42 ] .

وقيل : المعنى : قلنا : يا محمد ؟ قالوا : يا ذا القرنين ؛ لأن بعده : أما من ظلم فسوف نعذبه ، والعبد لا يخاطب ربه بهذا .

ومعنى {نعذبه} : نعذبه بالقتل ، عن قتادة .

وقوله : ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا يعني : عذاب الآخرة .

[ ص: 210 ] وقوله : وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى : قيل : المعنى : فله جزاء الطاعة ، وقيل : {الحسنى} : لا إله إلا الله ، و (جزاؤها ) : الجنة .

ومن نون {جزاء} ونصبه ؛ فـ {الحسنى} على قراءته يراد بها : الجنة .

وقوله : وسنقول له من أمرنا يسرا أي : قولا جميلا ، وقيل : معروفا ، وقيل : نعلمه في الدنيا ما نيسر له مما يقربه إلى ربه .

وقوله : وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا : قال الحسن : إذا طلعت نزلوا في الماء حتى تغرب ، وقيل : هم قوم [من] الزنج ليس في بلادهم جبل ولا بنيان ؛ وإنما يدخلون أسرابا لهم إذا طلعت الشمس .

وقوله : {كذلك} ؛ أي : كالذين تغرب عليهم الشمس .

وقوله : وقد أحطنا بما لديه خبرا أي : أحطنا بما عند مطلع الشمس علما .

[ ص: 211 ] وقوله : حتى إذا بلغ بين السدين يعني : الجبلين ، قيل : جبلي ، أرمينية وأذربيجان ، ويقال : إن السد في منقطع أرض الترك مما يلي المشرق .

وقوله : وجد من دونهما قوما قيل : من الإنس ، وقيل : أمة صالحة من الجن .

وقوله : قال ما مكني فيه ربي خير أي : ما أعطاني من القوة والملك خير من خرجكم ، ولكن أعينوني بقوة .

وقوله : آتوني زبر الحديد يعني : قطع الحديد ، عن ابن عباس ، ومجاهد .

وقوله : حتى إذا ساوى بين الصدفين أي : بين الجبلين .

وقوله : حتى إذا جعله نارا يعني : أنه أوقد على الحديد حتى صار كالنار .

وقوله : قال آتوني أفرغ عليه قطرا أي : آتوني نحاسا أفرغه عليه ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، وغيرهما .

أبو عبيدة : (القطر ) : الحديد المذاب ، قال : وجعله قوم من الرصاص ، وأصله من (القطر ) ، وكل ذلك إذا أذيب قطر .

[ ص: 212 ] وقوله : فما اسطاعوا أن يظهروه أي : ما استطاعوا أن يعلوا عليه ؛ لطوله واملاسه ، وما استطاعوا له نقبا : من أسفله .

ويروى : أن طوله من الجبل إلى الجبل مئة فرسخ ، وارتفاعه في الهواء مد البصر ، وعرضه خمسون فرسخا ، وحشوه الصخور ، وطينه النحاس ، وقد ذكرنا قطعة من أخبار يأجوج ومأجوج في "الكبير " .

التالي السابق


الخدمات العلمية