التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
الإعراب :

من قرأ : {ذكر رحمت ربك عبده زكريا} ، فتقديره : هذا القرآن ذكر رحمة ربك عبده زكريا ، أو يكون التقدير : فيما يتلى عليك ذكر رحمة ربك .

الفراء : {ذكر} مرفوع بـ {كهيعص} .

[ ص: 252 ] ومن قرأ : {ذكر رحمة ربك} ؛ ففاعل {ذكر} : ضمير ما تقدم ، كأنه قال : هذا القرآن يذكر رحمة ربك .

ومن قرأ : {خفت الموالي} ؛ فمعناه : قلت ، وموضع {الموالي} رفع ، وقوله : من ورائي : حال متوقعة محكية ؛ أي : خفوا متوقعا كونهم بعدي .

وتقدم القول في مثل ترك همز {ورآءي} .

أبو علي : همزة (وراء ) أصل ؛ لأنهم قالوا في تصغيره : (وريئة ) ، فلو كانت من (التواري ) ؛ لقالوا فيه : (ورية ) .

وقوله : يرثني ويرث من آل يعقوب : من قرأ بالجزم ؛ جعله جوابا للطلب ، ومن رفع ؛ استأنف ، ويجوز أن يكون نعتا لـ (ولي ) ؛ كأنه قال : فهب لي من لدنك وليا وارثا علمي .

ومن قرأ : {يرثني وارث من آل يعقوب} ؛ فالتقدير : يرثني منه وارث ، وكذلك تقدير قراءة من قرأ : {يرثني أويرث} ، وهو تصغير (وارث ) .

[ ص: 253 ] والقول في وقد خلقتك ، و {وقد خلقناك} : ظاهر .

وقوله : {وقد بلغت من الكبر عتيا} : {عتيا} : مصدر (عتا يعتو ) .

وقوله : {جثيا} : يحتمل أن يكون مصدر (جثا يجثو ) ، ويحتمل أن يكون جمع (جاث ) ، وأصله في الوجهين : (جثوا ) ، أبدلت الواو التي هي لام ياء ، وذلك مطرد في الجموع من هذا النوع ، والقياس في المصدر أن تصح الواو ؛ كـ (العلو ) ، و (الغلو ) ، وقد جاء القلب فيه أيضا ، ولما قلبت اللام قلبت قبلها واو (فعول ) ياء ؛ لوقوعها قبل الياء ، فأما {بكيا} و {صليا} ؛ فلام الفعل فيهما ياء ، فقلبت واو (فعول ) ياء ؛ للياء التي بعدها .

فضم أوائل هذه الحروف هو الأصل ، والكسر إتباع للكسر ، وكسر الأوائل في الجمع مطرد ؛ لأنه لزمه تغييران : قلب لام الفعل ، وقلب واو (فعول ) ، فتجرؤوا لذلك على كسر الفاء ، ويقوي ذلك إجماعهم على كسر أول (قسي ) ، وكذلك (فعول ) إذا كانت لامه ياء يكسر أوله وإن لم يكن فيه إلا تغيير واحد ؛ نحو : (حلي ) ، وشبهه .

وكذلك جاء الكسر في المصادر من هذا النوع لما غير كما غير الجمع ، فأجري مجراه ؛ لموافقته إياه في البناء .

ويقوي التغيير في هذه الكلم : أن رؤوس الآي قبلها وبعدها بالياء ،

[ ص: 254 ] فغيرت ؛ لتجري الآي على سنن واحد .

وتقدم القول في لأهب لك .

ومن قرأ : {فاجأها} ؛ فهو من المفاجأة ، كما قدمنا ، ويحتمل أن يكون أصلها كقراءة الجماعة ، إلا أن الهمزة الأولى خففت ، فجعلت بين بين ، فخفيت على السامع ، فظنها ألفا ؛ لقربها من الألف ، ويجوز أن تكون خففت بإبدالها ألفا على غير قياس .

وفتح النون وكسرها في قوله {نسيا} : لغتان ، وقيل : إن تقدير الفتح : يا ليتني كنت ذات نسي ؛ أي : منسية لا أذكر ، [ و (النسي ) ؛ بالكسر : الشيء الحقير الذي لا يعبأ به .

ومن قرأ : {نسئا} ؛ فهي راجعة إلى معنى قراءة الجماعة في القلة والإصغار ] .

و (النسء ) : اللبن المخلوط بالماء ، فكأنها قالت : يا ليتني كنت مثل هذا اللبن المخلوط بالماء في قلته وصغر قدره .

وقوله : فناداها من تحتها : القراءتان متقاربتان ؛ والمعنى في الكسر :

[ ص: 255 ] فناداها جبريل من مكان دون مكانها ، أو فناداها عيسى من تحت ثيابها ، والتقدير في الفتح : فناداها الذي تحتها ، ويحتمل أن يكون جبريل ، ويحتمل أن يكون عيسى على ما قدمناه .

وفي {فناداها} - على قراءة من كسر الميم - ضمير ، وليس فيها ضمير على قراءة الفتح .

وقوله : {تساقط عليك رطبا جنيا} : من قرأ بالفتح والتخفيف ؛ فالأصل : (تتساقط ) ، فحذف إحدى التاءين ، ومن شدد ؛ أدغم التاء ، ولم يحذفها ، والفاعل في القراءتين ، مضمر يعود على {النخلة} ، ويجوز أن يكون الفاعل (جذع النخلة ) ، فحذف ، وأقيمت {النخلة} مقامه ، وأسند الفعل إليها .

ويحتمل انتصاب قوله : {رطبا} على هذا الوجه أن يكون على البيان ، أو مفعولا بـ {هزي} ، أو حالا ؛ والتقدير : تساقط عليك ثمرة النخلة في حال كونها رطبا جنيا ، أو ينتصب على أنه مفعول لـ {تساقط} ، وعدي {تساقط} ؛ لأنه مطاوع (ساقط ) ، فعدي (تفاعل ) كما عدي (فاعل ) ، ومثل ذلك قول الشاعر : [من المتقارب ] .


تخاطأت النبل أحشاءه .....................

[ ص: 256 ] ومن قرأ : {يساقط} ؛ جاز أن يكون الفاعل (الجذع ) ، أسند إليه الفعل كما أسند إلى {النخلة} ؛ لأنه بعضها ، وجاز أن يكون (الرطب ) ، وجاز أن يكون (الهز ) ، ودل عليه {هزي} ، و {رطبا} : منصوب على ما ينتصب عليه في الوجوه المتقدم ذكرها .

ومن قرأ : {تساقط} ؛ فالفاعل {النخلة} ، أو {الجذع} ، حذف ، وأقيمت {النخلة} مقامه ، أو {الهز} ؛ والمعنى : هز النخلة ، فحذف (الهز ) ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، و {رطبا} على هذا مفعول به ، ويجوز أن يكون الفاعل (ثمرة النخلة ) ، وحذفت ، وأقيمت {النخلة} ، مقامها ، وجاز إضمار (الثمرة ) ؛ لدلالة {النخلة} عليها .

ومن قرأ : {يساقط} ؛ بياء ؛ فالفاعل أيضا (الجذع ) ، أو (الهز ) ، أو (الثمر ) .

وقوله : فإما ترين : أصل الكلمة : (ترئين ) ، ألقيت حركة الهمزة على الراء ، وحذفت الهمزة ، فمن قرأ : {ترين} ؛ ففيه بعد ؛ لأنه أثبت النون - وهي علم الرفع - في حال الجزم ، وهي لغة محكية ، ومثلها قول الشاعر : [من البسيط ]

لولا فوارس من قيس وأسرتهم     يوم الصليفاء لم يوفون بالجار

[ ص: 257 ] ومن قرأ بالهمز ؛ ففيه بعد أيضا ؛ لأن ما قبل الياء مفتوح ، وكسرتها ؛ لالتقاء الساكنين ، فليست بلازمة ، وحكى نحوه الكوفيون ، وأنشدوا : [من الطويل ]

.....................     كمشترئ بالحمد أحمرة بترا

وقد جاء منه في الواو كثير ؛ نحو {لتبلون} [آل عمران : 186} ، و اشتروا الضلالة [البقرة : 16 ] ، وذلك مذكور في باب التقاء الساكنين .

وقوله : وما كانت أمك بغيا : أصل (بغي ) : (بغوي ) على (فعول ) ، و (فعول ) بمعنى : (فاعلة ) ، وهي صفة لمؤنث ؛ فلذلك جاءت بغيرها ، كما تجيء إذا كانت بمعنى : (مفعول ) ؛ نحو : (ركوب ) ، و (حلوب ) ، ولا يجوز أن يكون (بغي ) ههنا (فعيلا ) ، ولو كان كذلك للزمته الهاء ؛ كامرأة حليمة ، وكريمة ، وكذلك حكم (فعيل ) إذا كان لمؤنث وهو بمعنى (فاعل ) .

وقوله : قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا : يجوز أن تكون {كان} زائدة ، و {صبيا} حال ، والعامل فيها الاستقرار ، ويجوز أن تكون بمعنى : (صار ) ، كما قال رؤبة بن العجاج : [من الرجز ] .


أبعد ما لاح بك القتير     والرأس قد كان له شكير

[ ص: 258 ] أي : قد صار الآن كذلك .

الزجاج : {من} : للشرط ، والمعنى : من كان في المهد صبيا ؛ فكيف نكلمه ؟ وقيل : {كان} بمعنى : (وقع ) : واسمها مضمر فيها ، و {صبيا} : حال ، والعامل فيها {نكلم} ؛ والمعنى : كيف نكلم صبيا قد خلق في المهد ؟ وليس حمل {كان} على بابها في هذا الموضع بقوي ؛ لأنه لا يكون فيه على ذلك آية لعيسى ؛ لأن الناس كلهم يتكلمون بعد أن كانوا كذلك .

وقوله : وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا : موضع {ما} : نصب على الظرف ، وقيل : على الحال .

وبرا بوالدتي : من فتح الباء ؛ فهو معطوف على قوله : {مباركا} ، ومن كسرها ؛ فهو معطوف على موضع الجار والمجرور من قوله : {بالصلاة} ، فكأنه قال : وألزمني برا بوالدتي ، ومثله قوله : [من الرجز ] .


يذهبن في نجد وغورا غائرا



أي : ويسلكن غورا غائرا ، ويجوز أن يكون على تقدير حذف المضاف ، كأنه قال : وجعلني ذا بر ، أو يكون هو البر على المبالغة ؛ كما قال : [من البسيط ] .

[ ص: 259 ]

ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت     فإنما هي إقبال وإدبار

ولو قرئ : {وبر بوالدتي} على العطف على {بالصلاة} ؛ لجاز .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية