التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
الإعراب :

قراءة من قرأ : {إن هذين لساحران} ظاهرة .

ومن قرأ : إن هذان ؛ بتخفيف {إن} ؛ فمذهب سيبويه : أنها {إن} المخففة من الثقيلة ، وما بعدها مرفوع بالابتداء ، رجع ما بعدها إلى أصله حين انتقض بناؤها ، ودخول اللام في خبر المبتدأ كقوله : [من الرجز ] .


أم الحليس لعجوز شهربه


ترضى من الشاة بعظم الرقبه

وقال آخر : [من الكامل ]

خالي لأنت ومن جرير خاله     ينل السماء ويكرم الأخوالا

ويجوز على مذهب الزجاج أن يكون التقدير : إن هذان لهما ساحران ، [ ص: 331 ] وأنكره أبو علي ، وأبو الفتح ، قال أبو الفتح : (هما ) المحذوف لم يحذف إلا بعد أن عرف ، وإذا كان معروفا ؛ فقد استغني بمعرفته عن تأكيده باللام ، ويقبح أن يحذف المؤكد ، ويترك المؤكد .

ومذهب الكوفيين : أن {إن} بمعنى : (ما ) ، واللام بمعنى (إلا ) ؛ والتقدير : ما هذان إلا ساحران .

ومن قرأ : {إن هذان} ؛ جاز أن يكون على لغة بلحارث بن كعب ؛ فإنهم يثنون بالألف على كل حال ؛ فيقولون : (ضربت الزيدان ) ، و (مررت بالزيدان ) ، و (جاءني الزيدان ) ، حكاه أبو زيد ، والأخفش ، والكسائي ، والفراء .

وحكى أبو الخطاب : أنها لغة لبني كنانة ، وحكى غيره : أنها لغة لخثعم ، [ ص: 332 ] ومثله قول الشاعر : [من الطويل ]

تزود منا بين أذناه ضربة      .....................



ويجوز أن تكون {إن} بمعنى : (نعم ) ، وما بعدها مرفوع بالابتداء .

والقول في دخول اللام في {لساحران} على ما تقدم ؛ ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إن الحمد لله نستعينه " ، ومثله قول الشاعر : [من البسيط ] .


قالوا غدرت فقلت إن وربما     نال العلا وشفى الغليل الغادر

وقول الآخر أنشده ثعلب : [من الخفيف ]

ليت شعري هل للمحب شفاء     من جوى حبهن إن اللقاء

وسأل إسماعيل القاضي ابن كيسان عن هذه المسألة ، فقال : لما لم يظهر في المبهم إعراب في الواحد ، ولا في الجميع ؛ جرت التثنية على ذلك ، فجرت مجرى الواحد ؛ إذ التثنية يجب ألا تغير ، فقال له إسماعيل : ما أحسن هذا ! لو تقدمك أحد [ ص: 333 ] بالقول فيه حتى يؤنس به ، فقال له ابن كيسان : فليقل القاضي ؛ حتى يؤنس به ، فتبسم .

الفراء : الألف في هذا دعامة ، ليست بلام الفعل ، فزدت عليها نونا ولم أغيرها ؛ كما زدت على الياء من (الذي ) ؛ فقلت : (الذين ) في كل حال .

بعض الكوفيين : الألف في {هذان} مشبهة بألف (يفعلان ) ، فلم تغير ؛ كما لم تغير .

الجرجاني : لما كان (ذا ) اسما على حرفين أحدهما حرف مد ولين ، وهو كالحركة ، ووجب حذف إحدى الألفين في التثنية ؛ لم يحسن حذف الأولى ؛ لئلا يبقى الاسم على حرف ، فحذف علم التثنية ، وكانت النون تدل على التثنية ، فهي عوض منها ، تقوم مقامها في الدلالة على التثنية ، ولم يكن لتغيير الألف الأصلية وجه ؛ فثبتت في كل حال ؛ كما تثبت في الواحد .

أبو علي : كون {إن} الناصبة للاسم أشبه بما قيل وما بعد ؛ فقبله قوله : {فتنازعوا أمرهم ؛ فالتنازع إنما هو في أمر موسى وهارون ؛ هل هما ساحران [ ص: 334 ] على ما ظنوا ؟ وبعده : يريدان أن يخرجاكم ؛ فهذا يؤكد أنها الناصبة للاسم ، مع ما في دخول اللام في الخبر من البعد إذا جعل ابتداء وخبرا ، قال : ومن زعم أن الألف في {هذان} هي الألف في (هذا ) ؛ فليس بمستقيم ، ولو كانت كذلك ؛ لم تنقلب ياء في قولك : (هذين ) ، فانقلابها يدل على أنها ألف تثنية ، ويدل على أن ألف (هذا ) محذوفة ، وأن الألف للتثنية : قولهم في تثنية (الذي ) : (اللذان ) ؛ وكما حذفت الياء ؛ كذلك حذفت الألف .

وقد روي عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما أنهما قالا : (إن في الكتاب غلطا ستقيمه العرب بألسنتها ) ؛ فحمل بعض الناس قوله : {إن هذان} وشبهه على هذا [ ص: 335 ] الخبر ، وأباه بعضهم ، وتأولوه ؛ في نحو زيادة الألف في : لإلى الله تحشرون [آل عمران : 158 ] ، ولأوضعوا خلالكم [التوبة : 47 ] ، وشبه ذلك ، وقد ذكرته في خط المصحف في "الكبير " .

التالي السابق


الخدمات العلمية