التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
وقوله : فأجمعوا كيدكم : من قرأه من (جمع ) ؛ فلأن قبله : فجمع كيده .

قال أبو علي : قال أبو الحسن : يقال : (جمعت كيدي ) ، و (جمعت أمري ) ، وإنما يقطعون إذا قالوا : (أجمعنا على كذا ) .

ومن قرأ : {فأجمعوا} ؛ جاز أن يكون لغة فيه ، وجاز أن يكون التقدير ، فأجمعوا على كذا ، ثم ينصب {كيدكم} بإضمار فعل .

ومن قرأ : {ثم ايتوا صفا} ؛ بياء بعد الميم ؛ فإنه لما أبدل الهمزة الساكنة من ثم ائتوا ألفا ؛ أبدل الألف ياء ؛ كما تبدل في نحو قوله : [من الرجز ] .


لنضربن بسيفنا قفيكا

وشبهه ، ومن كسر الميم من {ثم} ؛ فلأن الميم من {ثم} لما قامت في الوصل مقام ألف الوصل في الابتداء ؛ حركت بحركتها ؛ لتكون الكسرة دالة على [ ص: 336 ] ألف الوصل ، وهو بعيد ، قال أبو علي : هو خطأ .

ومن قرأ : {تخيل إليه} ؛ بالتاء ؛ فالتأنيث للحبال والعصي ، وينبغي على هذه القراءة أن يكون أنها تسعى بدلا من الضمير في {تخيل} ، وهو عائد على الحبال والعصي ، والبدل فيه بدل اشتمال .

ويجوز أن يكون {تخيل} خاليا من الضمير ، ويكون اسم ما لم يسم فاعله أنها تسعى ، وأنث ؛ لتضمن الجملة لفظ التأنيث .

ويجوز أن تكون (أن ) في موضع نصب ؛ على تقدير : تخيل إليه من سحرهم بأنها تسعى ، ويجعل {إليه} أو المصدر في موضع مفعول ما لم يسم فاعله .

ومن قرأ : {يخيل} ؛ بالياء ؛ فلا ضمير فيه ، واسم ما لم يسم فاعله أنها تسعى .

ومن قرأ : {تلقف ما صنعوا} ؛ بالرفع ؛ فهو في موضع الحال ، وصاحب الحال يجوز أن يكون الفاعل المضمر الذي في {ألق} ، والتاء التي في {تلقف} [ ص: 337 ] للخطاب ، ويجوز أن يكون حالا من {ما} ، والتاء في {تلقف} للتأنيث ؛ لأن ما في يمينه يعني به : العصا ، فأنث على المعنى ، والحال ههنا مقدرة ؛ لأنها إنما تلقفت حبالهم وعصيهم بعد أن ألقاها .

والجزم على جواب الأمر ، والتشديد والتخفيف فيه ظاهران .

ومن قرأ : كيد ساحر ؛ فلأن الكيد في الحقيقة للساحر ، لا للسحر ، ومن قرأ : {كيد سحر} ؛ [فعلى حذف المضاف ] ؛ التقدير : كيد ذي سحر ، أو على أن الكيد أضيف إلى السحر على الاتساع ، من غير تقدير حذف .

ويجوز نصب {كيد} بـ {صنعوا} ، على أن تكون (ما ) كافة ، ولا تضمر هاء ، والهاء مضمرة على قراءة الرفع .

ويجوز فتح (إن ) على معنى : لأن ما صنعوه كيد سحر .

وقوله : ولا يفلح الساحر حيث أتى : {حيث} متعلقة بـ {يفلح} .

[ ص: 338 ] فاقض ما أنت قاض : التقدير : ما أنت قاضيه ، وليست {ما} ههنا التي تكون مع الفعل بمنزلة المصدر ؛ لأن تلك توصل بالأفعال ، وهذه موصولة بالابتداء والخبر .

وقوله : إنما تقضي هذه الحياة الدنيا : يجوز أن يكون التقدير : إنما تقضي وقت هذه الحياة الدنيا ؛ فينتصب انتصاب الظرف ، ويقدر حذف المفعول ، ويجوز أن يكون التقدير : إنما تقضي أمر هذه الحياة الدنيا ؛ فينتصب انتصاب المفعول ، و {ما} : كافة لـ (إن ) .

ولو جعلت (ما ) في الكلام بمعنى : (الذي ) ، وحذفت الهاء من {تقضي} ، ورفعت {هذه الحياة الدنيا} ؛ لجاز .

وقوله : وما أكرهتنا عليه من السحر : يجوز أن تكون {ما} معطوفة على (الخطايا ) ، على أن فيه بعدا ؛ لقولهم : أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين ، وليس هذا بقول مكرهين ، ولأن الإكراه ليس بذنب وإن كان قد يجوز أن يكونوا أكرهوا على تعلمه ، كما قدمناه ، ثم علموه مختارين .

ويجوز أن تكون {ما} في موضع رفع بالابتداء ، ويضمر الخبر ؛ والتقدير :

[ ص: 339 ] وما أكرهتنا عليه من السحر موضوع عنا .

ويجوز أن تكون {ما} نافية ، ويتعلق قوله : [ من السحر بـ (الخطايا ) ؛ التقدير : ليغفر لنا خطايانا من السحر ، وما أكرهتنا عليه .

وعلى القولين الأولين يتعلق ] من السحر بـ {أكرهتنا} .

ومن قرأ : {لا تخف دركا ولا تخشى} ؛ فعلى أنه جواب الأمر ؛ التقدير : إن تضرب لهم طريقا في البحر ؛ لا تخف ، وقوله : ولا تخشى على تقدير : ولا أنت تخشى ، أو يكون مجزوما ، والألف مشبعة من فتحة ؛ لأنها فاصلة ، فيكون كقوله : فأضلونا السبيلا [الأحزاب : 67 ] ، أو يكون على حد قول الشاعر .

[من الطويل ]

.....................     كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا

على تقدير حذف الحركة ، كما تحذف حركة الصحيح ، وهذا مذهب الفراء .

ومن قرأ : لا تخاف دركا ؛ فهو حال من المخاطب ؛ التقدير : فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا غير خائف ، ولا خاش .

[ ص: 340 ] ويجوز أن يكون صفة لـ (طريق ) ؛ لأنه معطوف على (يبس ) الذي هو صفة ، ويكون التقدير : لا تخاف فيه ؛ فحذف الراجع من الصفة .

ويجوز أن يكون منقطعا خبر مبتدأ محذوف ؛ تقديره : وأنت لا تخاف .

ومن قرأ : {فاتبعهم فرعون بجنوده} ؛ فالباء في {بجنوده} عدت الفعل إلى المفعول الثاني ؛ لأن (اتبع ) يتعدى إلى مفعول واحد .

ومن قطع ؛ فـ (أتبع ) يتعدى إلى مفعولين ؛ فيجوز أن تكون الباء زائدة ، ويجوز أن يكون اقتصر على مفعول واحد ، وقوله : {بجنوده} في موضع الحال ؛ كأنه قال : فأتبعهم سائقا جنوده .

وأضل فرعون قومه وما هدى : استغنى بتعدية {أضل} عن تعدية {هدى} ؛ ومثله : ما ودعك ربك وما قلى [الضحى : 3 ] ، ووجدك ضالا فهدى [الضحى : 7 ] ، ومثله قول الشاعر : [من الطويل ]

بأي كتاب أم بأية سنة     ترى حبهم عارا علي وتحسب ؟

[ ص: 341 ] وقوله : وواعدناكم جانب الطور الأيمن : انتصاب {جانب} على أنه مفعول ثان لـ (واعدنا ) ؛ التقدير : وواعدناكم إتيان جانب الطور الأيمن ، ولا ينتصب على الظرف ؛ لأنه ظرف مكان مخصوص غير مبهم .

وتقدم القول في {فيحل} ، و {من يحلل} ، وفي {بملكنا} .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية