التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير:

قوله تعالى: إن زلزلة الساعة شيء عظيم : قال علقمة، والشعبي: (الزلزلة) : من أشراط الساعة، وهي في الدنيا.

وقال أنس بن مالك، والحسن البصري: هو في القيامة.

وقوله: يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت : الضمير المنصوب في {ترونها} : لـ (الزلزلة) ، أو لـ (القيامة) ، وذكر (المرضعة) يدل على أنه في الدنيا; لأن القيامة لا رضاع فيها، ولا حمل.

[ ص: 427 ] وقوله: وترى الناس سكارى يعني: من الخوف.

وقوله: ومن الناس من يجادل في الله بغير علم : هو النضر بن الحارث، قاله ابن جريج، ومعنى {يجادل} : يخاصم في أن الله لا يقدر على بعث الموتى.

وقوله: كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله أي: كتب ذلك على الشيطان، [و(الهاء) في {عليه} و {فأنه} : له، وفي {يضله} : لمتوليه]; والمعنى: كتب على الشيطان أنه يضل من اتبعه.

وقوله: يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب الآية: أي: إن شككتم في البعث; فتدبروا أول خلقكم، وتقدم القول في الآية.

وقوله: لنبين لكم : هذا جواب للقصة كلها; والمعنى: أخبرناكم بتصرف أحوال خلقكم لنبين لكم، [والوقف ههنا حسن، ثم يستأنف]: ونقر في الأرحام ما نشاء ; [على معنى: ونحن نقر; والمعنى: نقر في الأرحام ما نشاء] إلى أجل مسمى; يعني: أجل الولادة; فلا يسقط.

ثم نخرجكم طفلا أي: أطفالا.

[ ص: 428 ] ثم لتبلغوا أشدكم أي نعمركم لتبلغوا أشدكم; يعني: كمال العقول.

[وقيل: التقدير: ثم نخرجكم طفلا; لتبلغوا أشدكم]; فـ {ثم} على هذا: زائدة.

ومنكم من يتوفى أي: قبل بلوغ الأشد، ومنكم من يرد إلى أرذل العمر أي: يهرم، قال علي رضي الله عنه: أرذل العمر : خمس وسبعون سنة.

وتقدم ذكر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا .

وترى الأرض هامدة : هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو اعتبار لأمته; ومعنى {هامدة} : غبراء متهشمة، عن قتادة.

وقوله: فإذا أنـزلنا عليها الماء اهتزت وربت أي: تحركت وارتفعت، وقيل: التقدير: ربت واهتزت; لأن الواو لا توجب الترتيب; فـ (المهتز) على هذا: الزرع، وأخبر عن الأرض; إذ هو فيها.

وقوله: وأنبتت من كل زوج بهيج أي: حسن، عن قتادة; أي: يبهج من رآه، و(الزوج) : الصنف.

وقوله: ذلك بأن الله هو الحق أي: الأمر ذلك; أي: الأمر ما وصف لكم.

وقوله: وأنه يحيي الموتى أي: يحييهم كما أحيا الأرض بعد موتها.

وقوله: ومن الناس من يجادل في الله بغير علم إلى قوله: ثاني عطفه :

قال مجاهد، وقتادة: المعنى: لاويا عنقه كفرا.

[ ص: 429 ] ابن عباس: معرضا عما يدعى إليه كفرا.

المبرد: (العطف) : ما انثنى من العنق.

ذلك بما قدمت يداك أي: يقال له: ذلك العذاب بما قدمت يداك، وأن الله أي: وبأن الله ليس بظلام للعبيد ، فلا يوقف على هذا التقدير على {يداك} ، ويجوز أن يكون التقدير: والأمر أن الله، فيوقف على {يداك} .

وقوله: ومن الناس من يعبد الله على حرف أي: على شك، عن مجاهد، وحقيقته: أنه ضعف في عبادته; كضعف القيام على حرف جرف.

وقوله: فإن أصابه خير اطمأن به وإن أي: رخاء وعافية، عن مجاهد، قال: أصابته فتنة أي: بلاء ومصيبة; انقلب على وجهه أي: ارتد كافرا.

ونزلت هذه الآية في قوم من الأعراب، كانوا يقدمون على النبي صلى الله عليه وسلم، فيسلمون، فإن نالوا رخاء; أقاموا، وإن نالتهم شدة; ارتدوا.

وقيل: نزلت في النضر بن الحارث، وقيل: في شيبة بن ربيعة، كان أسلم، ثم ارتد، وقال ابن زيد وغيره: نزلت في المنافقين.

[ ص: 430 ] وقوله: يدعو لمن ضره أقرب من نفعه : اللام- في قول الكسائي- مقدمة في غير موضعها، و(من) : في موضع نصب، و {ضره} : مبتدأ، و {أقرب} : خبره; والتقدير: يدعو من لضره أقرب من نفعه.

الأخفش: {يدعوا} بمعنى: (يقول) ، و(من) : مبتدأة، و {ضره} : مبتدأ، و {أقرب} : خبره، والجملة صلة (من) ، وخبر (من) محذوف; والتقدير: يقول: لمن ضره أقرب من نفعه إلهه، ومثله قول عنترة: [من الكامل]

يدعون عنتر والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم

الزجاج: يجوز أن يكون {يدعوا} في موضع الحال، وفيه هاء محذوفة; والتقدير: ذلك هو الضلال البعيد في [حال] دعائه إياه، فيوقف على هذا على {يدعوا} ، قال: ويجوز أن يكون {ذلك} بمعنى: (الذي) ; أي: الذي هو [ ص: 431 ] الضلال البعيد يدعو; كما قال: وما تلك بيمينك يا موسى [طه: 17].

الفراء: يجوز أن يكون {يدعوا} مكررة على ما قبلها، قال: ويجوز (لمن ضره) ; بكسر اللام; أي: يدعو إلى من ضره أقرب من نفعه.

وقوله: لبئس المولى ولبئس العشير : قيل: {المولى} : ابن العم، وقيل: الناصر، و {العشير} : الصاحب، والخليل، مجاهد: يعني: الوثن.

وقوله: من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ : قال ابن عباس: المعنى: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا صلى الله عليه وسلم; فليمدد بحبل إلى سقف بيته، ثم ليختنق، قال: ومعنى {ينصره} : يرزقه.

وعن ابن عباس أيضا: أن (الهاء) تعود على {من} ; والمعنى: من كان يظن أن الله لا يرزقه; فليختنق، فيقتل نفسه; إذ لا خير في حياة تخلو من عون الله عز وجل.

وقوله: ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ معناه: ثم ليختنق، فلينظر هل يذهبن اختناقه غيظه؟ وقال ابن زيد: المعنى: فليقطع ذلك من أصله; أي: ليقطع نصر محمدـ صلى الله عليه وسلم ـ من حيث يأتيه، فأصله في السماء، فليمدد بسبب إلى السماء، ثم يقطع الوحي; فلينظر هل يذهب فعله ما يجد في نفسه من الغيظ في نصر الله ـ عز وجل ـ محمدا صلى الله عليه وسلم؟ وقيل: إن (الهاء) تعود على (الدين) ; والمعنى: من كان يظن أن لن ينصره الله دينه.

[ ص: 432 ] وقوله: ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض : تقدم معنى سجود الجماد.

وقوله: وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب أي: وكثير من الناس يسجد، وكثير يأبى السجود.

وقيل: المعنى: وكثير من الناس في الجنة، وكثير في العذاب.

وقوله: هذان خصمان اختصموا في ربهم : قال أبو ذر: يعني: الفريقين من المؤمنين والكافرين يوم بدر.

عكرمة: يعني: الجنة والنار، اختصمتا، فقالت النار: خلقني لعقوبته، وقالت الجنة: خلقني لرحمته.

ابن عباس: نزلت هذه الآيات الثلاث على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمدينة، في ثلاثة نفر مؤمنين، وثلاثة كافرين، فـ (المؤمنون) : حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث، رضي الله عنهم، و(الكافرون) : عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، دعا [ ص: 433 ] الكافرون المؤمنين للبراز، فنزلت الآية فيهم.

أنس بن مالك: نزلت على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سفر.

وقوله: فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار أي: من نحاس، عن ابن جبير، وغيره.

يصب من فوق رءوسهم الحميم يعني: الماء المغلي.

يصهر به ما في بطونهم والجلود أي: يذاب، قال ابن جبير: حتى يمشوا في أمعائهم.

ولهم مقامع من حديد أي: عذاب مقامع من حديد يضربون بها، قال ابن جبير: حتى يسقط كل عضو على حياله.

وقوله: كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها : روي: أن جهنم تجيش بأهلها، فتلقيهم إلى أعلى أبوابها، فيريدون الخروج، فيعيدهم الخزان فيها بالمقامع، ويقولون لهم: وذوقوا عذاب الحريق .

وقوله ـ تعالى ـ في وصف أهل الجنة: وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد : قيل: إن ذلك في الدنيا، هدوا إلى قول: لا إله إلا الله، وغيرها من ذكر الله، والثناء الطيب عليه، قال ابن زيد، وغيره.

وقيل: إن ذلك في الآخرة، و الطيب من القول : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن [فاطر: 34]، و الحمد لله الذي صدقنا وعده [الزمر: 74]، وشبهه.

[ ص: 434 ] وقيل: الطيب من القول : تحية الملائكة، والبشارات التي تأتيهم من عند الله، و صراط الحميد على هذا القول: الجنة.

وقوله: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله : قيل: إن خبر {إن} محذوف; والتقدير: إن الذين كفروا خسروا، أو هلكوا.

وقيل: الواو في {ويصدون} : مقحمة.

والمسجد الحرام أي: ويصدون عن المسجد الحرام.

وقوله: سواء العاكف فيه والباد يعني: أهل مكة وغيرهم، وقد تقدم مذاهب العلماء فيه.

وقيل: المعنى: أن العاكف فيه والبادي في إقامة المناسك سواء.

وقد تقدم القول في: ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ، والباء في {بإلحاد} زائدة; والمعنى: ومن يرد فيه إلحادا بظلم، قاله الأخفش، وأنكره المبرد، وقال: قوله: {يرد} يدل على الإرادة; والمعنى: ومن إرادته بأن يلحد [ ص: 435 ] فيه بظلم; نذقه من عذاب أليم.

الكوفيون: دخلت الباء; لأن المعنى: بأن يلحد، والباء مع (أن) تدخل وتحذف.

وقوله: وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت : دخلت اللام في {لإبراهيم} ; لأنه بمعنى: جعلنا مكان البيت لإبراهيم مبوأ; أي: منزلا.

وقيل: هي محمولة على معنى المصدر متعلقة به; والمعنى: واذكر تبويئنا لإبراهيم مكان البيت.

الفراء: اللام زائدة.

وقوله: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر : قال مجاهد : أمر الله ـ تعالى ـ إبراهيم بأن يقول: يا أيها الناس; أجيبوا ربكم، فوقرت في قلب كل مؤمن، فأجاب من قدر له الحج بـ (لبيك) .

وروي: أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ قال: أي رب; وأين يبلغ صوتي؟ فقال: أذن وعلي [ ص: 436 ] البلاغ، فنادى: يا أيها الناس; كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق; فسمعه من بين السماء والأرض.

ومعنى قوله: {رجالا} : مشاة.

وعلى كل ضامر أي: وعلى كل جمل ضامر; وهو المهزول الذي أضمره بعد المسافة.

يأتين من كل فج عميق : محمول على معنى الجمع; كأنه قال: وعلى إبل ضامرة يأتين من كل فج عميق; أي: من كل طريق بعيد، عن مجاهد، وغيره.

و(العمق) في اللغة: البعد، معروف.

وجاء في الخبر: أن إبراهيم وإسماعيل ـ عليهما السلام ـ حجا ماشيين، وأن آدم ـ عليه السلام ـ حج على قدميه أربعين حجة.

وقوله: أن لا تشرك بي شيئا : إلى ههنا كله خطاب لإبراهيم عليه السلام.

وقيل: إن خطاب إبراهيم من قوله: أن لا تشرك بي شيئا إلى: والركع السجود ، وقوله: وأذن في الناس بالحج : خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم; أي: أعلمهم بفرضه عليهم، وقيل: أعلمهم أنك تحج حجة الوداع.

[ ص: 437 ] وقيل: إن الجميع خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، فالوقف - على هذا القول- على مكان البيت كاف.

وقوله: وليطوفوا بالبيت العتيق : روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "سمي البيت العتيق; لأن الله ـ تعالى ـ أعتقه من الجبابرة، فلم يغلب عليه جبار قط".

الحسن: سمي العتيق; لقدمه.

ابن جبير: لأنه أعتق من الغرق.

التالي السابق


الخدمات العلمية