التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير:

الخطاب في قوله: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات : للنبي صلى الله عليه وسلم، وخوطب به كما قال: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم [آل عمران: 173] يريد به واحدا، فيما ذكره المفسرون.

وقيل: الخطاب لعيسى عليه السلام.

وقوله تعالى: فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا : قال الحسن، ومجاهد، وغيرهما: معنى {زبرا} : كتبا; أي: تفرقوا كتبا دانوا بها، وكفروا بما سواها.

ومن قرأ: {زبرا} ; فمعناه: قطعا وفرقا.

وقوله: كل حزب بما لديهم فرحون أي: معجبون.

[ ص: 494 ] وقوله: فذرهم في غمرتهم حتى حين : قال قتادة: أي: في جهالتهم، قال، ومعنى حتى حين : الموت.

وقوله: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات أي: نسارع به في الخيرات، عن الزجاج.

غيره: (ما) من قوله: أنما نمدهم به هي {الخيرات} ، فصار المعنى: نسارع لهم فيه، ثم أظهر، فقال: في الخيرات ، ولا حذف فيه على هذا التقدير، ومعنى الآية: أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين مجازاة لهم وخير؟ ومذهب الكسائي: أن {أنما} حرف واحد، فلا يحتاج إلى تقدير حذف، ويكون الوقف على قوله: {وبنين} ، وإنما احتيج إلى تقدير الحذف; لأنه لا بد من ضمير يرجع من الخبر إلى اسم (أن) .

وقوله: والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون : هو الرجل يصلي، ويصوم، ويتصدق، ويخاف ألا يتقبل ذلك منه، روت ذلك عائشة رضى الله عنها [ ص: 495 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا موافق لقراءة من قرأ: {والذين يأتون ما أتوا}.

وقيل: معناه على هذه القراءة: يعملون ما عملوه من الذنوب وهم خائفون.

وتقدير أنهم إلى ربهم راجعون : لأنهم، عن أبى حاتم، الفراء: تقديره، من أنهم.

وقوله: أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون أي: إليها.

وقال ابن عباس المعنى: سبقت لهم من الله السعادة.

وقيل: المعنى: وهم من أجل الخيرات سابقون.

وقوله: بل قلوبهم في غمرة من هذا : قال مجاهد: أي: في عماية من القرآن.

وقيل: المعنى: بل قلوبهم في غطاء عن المعرفة أن الذي نمدهم به من مال وبنين استدراج لهم.

قال قتادة: وصف أهل البر، ثم وصف بعدهم أهل الكفر.

وقوله: ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون أي: خطايا من دون الحق، عن مجاهد، وقتادة، وغيرهما.

الحسن، وابن زيد: المعنى: ولهم أعمال من دون ما هم عليه، لا بد أن يعملوها.

وقوله: حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب : قال مجاهد: يعني: السيف يوم بدر.

وقوله: إذا هم يجأرون أي: يستغيثون، عن ابن عباس، وكذلك معنى قول غيره وإن اختلفت الألفاظ، وأصله: رفع الصوت; كجؤار الثور.

وقوله: إنكم منا لا تنصرون : قال الحسن: لا تنصرون بقبول التوبة.

[ ص: 496 ] وقوله: فكنتم على أعقابكم تنكصون أي: تستأخرون عن قبول الحق، وهو تمثيل، شبه به من رد الحق; لأنه يمشي في عمى; كما يمشي الذي يمشي القهقرى ولا يدري ما وراءه.

وقوله: مستكبرين به سامرا تهجرون : قال ابن عباس: المعنى: مستكبرين بحرم الله، لأنه لا يظهر عليكم فيه أحد; ثقة بأمنكم فيه.

وقيل: المعنى: مستكبرين بالقرآن عند استماعه.

وقوله: سامرا تهجرون أي: سمارا، فقيل للجماعة: (سامر) ; كما يقال لجماعة البقر: (باقر) ، ولأنه في موضع المصدر; كما يقال: (قوموا قائما) ; أي قياما، أو لأنه وضع موضع الوقت; والمعنى: تهجرون ليلا; فلما وضع (السامر) موضع (الليل) ; وحده، قاله الطبري.

و(السمر) في قول المبرد: مأخوذ من قولهم (لا أكلمه السمر والقمر) ; أي: الليل والنهار.

الثوري: يقال لظل القمر: (السمر) .

ومعنى {تهجرون} أي: تهجرون الحق ، عن ابن عباس.

[ ص: 497 ] الحسن: تهجرون نبيي وكلامي.

وقيل: هو من (هجر المريض) ; إذا هذى.

ومن قرأ: {تهجرون} ; فمعناه: تقولون الهجر; أي: السيئ من القول، عن ابن عباس وغيره; ومعناه: أنهم يجاوزون الحق، ومنه (الهاجرة) : مجاوزة الشمس من المشرق إلى المغرب.

و(السمر) في الآية، مخصوص به المعاصي، وكذلك ما جاء في الآثار من النهي عنه; كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إياكم والسمر بعد هدأة [الرجل] - يعني: بعد العشاء الآخرة - أغلقوا الأبواب، أوكوا السقاء، وخمروا الإناء، وأطفئوا المصباح".

[ ص: 498 ] ونحو ما روي عن عمر رضي الله عنه: أنه كان يضرب الناس على الحديث بعد العشاء، ويقول: أسمرا أول الليل، ونوما آخره؟! فأما السمر في الطاعات، أو فيما لا معصية فيه; فمباح، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح من بعده.

وقوله: أفلم يدبروا القول يعني: القرآن.

وقوله: ولو اتبع الحق أهواءهم : {الحق} : هو الله عز وجل، عن ابن جريج، وأبى صالح.

وقيل: {الحق} : القرآن; والمعنى: لو نزل القرآن بما يحبون; لفسدت السماوات والأرض.

وقيل: المعنى: لو اتبع صاحب الحق أهواءهم.

وقيل: المعنى: لو كان الحق على ما يقولون من اتخاذ الآلهة مع الله; لتعالت بعضها على بعض; ففسدت السماوات والأرض.

وقوله: بل أتيناهم بذكرهم أي: ببيان الحق، عن ابن عباس، [ ص: 499 ] قتادة: بالقرآن; والمعنى: بما لهم فيه ذكر ثوابهم وعقابهم، وقيل: معنى {بذكرهم} : بشرفهم.

وتقدم القول في الخرج والخراج.

وقوله: وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون أي: عن الحق لعادلون، عن ابن عباس.

وقيل: المعنى: عن صراط جهنم لناكبون في جهنم.

وقيل: المعنى: عن طريق الجنة لعادلون إلى طريق النار.

وقوله: ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون : قيل: المعنى: ولو رحمناهم في الدنيا، عن ابن جريج، وقيل: المعنى: ولو رحمناهم في الآخرة، فرددناهم إلى الدنيا.

وقوله: ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون (الاستكانة) : الذلة، والخضوع، وهو من السكون، والأصل: (استكنوا) ; أي: (افتعلوا) ; فالألف مشبعة من فتحة الكاف، وقد قيل: إنه (استفعلوا) من (الكون) ، وهو بعيد في المعنى.

[ ص: 500 ] و(العذاب) المذكور ههنا يراد به: الجوع، والقتل.

وقوله: حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد يعني: السيف يوم بدر، عن ابن عباس وغيره، مجاهد: الجوع، عكرمة: أحد أبواب جهنم، فيه من العذاب ما لم يروه في غيره منها.

وتقدم القول في معنى (مبلسين) .

التالي السابق


الخدمات العلمية