التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
الإعراب:

من قرأ: {سورة أنـزلناها}; بالنصب; فبإضمار فعل من لفظ (أنزل) ، ومن غير لفظه، فإن قدر من لفظه; فالتقدير: أنزلنا سورة أنزلناها، فأضمر (أنزلنا) وفسره بقوله: {أنـزلناها} ، ولا تكون {أنـزلناها} على هذا صفة; لأن الصفة لا تفسر ما يعمل في الموصوف.

[ ص: 528 ] وإن قدر الفعل من غير لفظ (أنزل) ; فالتقدير: اقرأ سورة أنزلناها، وشبهه، فـ {أنـزلناها} وما عطف عليه - على هذا - صفة لـ {سورة} ; لأنه غير مفسر للعامل في {سورة} .

والرفع بالابتداء، والخبر مضمر; والتقدير: فيما يتلى عليكم سورة أنزلناها، أو يكون خبر مبتدأ محذوف; التقدير: هذه سورة أنزلناها، وقوله: {أنـزلناها} وما بعده أيضا نعت لـ{سورة}،وتقدير {فرضناها} : فرضنا فرائضها، فحذف المضاف; لأن نفس السورة لم تفرض، إنما فرضت الأحكام التي فيها.

وقوله: {الزانية والزاني} من قرأ بالنصب; فنصبه بفعل مضمر; كأنه قال: اجلدوا الزانية والزاني، ثم فسره بقوله: {فاجلدوا كل واحد منهما} ، ودخلت الفاء فيه; لأنه موضع أمر، والأمر مضارع للشرط.

والرفع على معنى: وفيما يتلى عليكم الزانية والزاني، أو على الابتداء، والخبر: {فاجلدوا} ; كقولك: (زيد فاضربه) ، وقد تقدم القول في ذلك مبسوطا في قوله: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما [المائدة: 38].

وفتح الهمزة وإسكانها من (الرأفة) : لغتان.

وقوله: ثم لم يأتوا بأربعة شهداء : من قرأ بالإضافة; فلأن (الشهداء) وإن [ ص: 529 ] كان صفة في الأصل; فقد استعمل استعمال الاسم الصريح في الكلام، فجرى مجراه، وحسن إقامة الصفة فيه مقام الموصوف، وقوى ذلك: أن (الشهداء) لا يكونون إلا أناسي، فالصفة دالة على الموصوف، ولو كانت غير دالة على الموصوف; لقبح أن تقوم مقامه; نحو: (بأربعة طوال) ، ونحوه; لأن (الطويل) قد يوصف به غير الإنسان.

ومن نون; فلأن أسماء العدد من الثلاثة إلى العشرة لا تضاف إلى الأوصاف إلا على حد إقامة الصفة مقام الموصوف، فكان كون {شهداء} وصفا لـ {أربعة} أولى.

إلا الذين تابوا : موضع {الذين} نصب على الاستثناء، أو جر على الحمل على الضمير في {لهم} من قوله: ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا .

وقوله: ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم : {شهداء} : اسم (كان) ، والخبر: {لهم} و {أنفسهم} : بدل من {شهداء} ، ولو نصب {شهداء} على أن يكون خبرا مقدما لـ {يكن} ، و {أنفسهم} اسما; لجاز، ولو نصب {أنفسهم} على أن يكون خبرا لـ {يكن} ، أو على الاستثناء; لجاز.

وقوله: فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله : من قرأ: {أربع} بالرفع; فعلى [ ص: 530 ] أنه خبر المبتدأ الذي هو (شهادة) ، والباء في قوله: {بالله} من صلة {شهادات} وكذلك قوله: إنه لمن الصادقين ، ولا يجوز أن يكونا في صلة (شهادة) ; لئلا يفرق بين الصلة والموصول بالخبر.

ومن قرأ بالنصب; جاز أن يكون مفعولا به للمصدر الذي هو (شهادة) ; التقدير: فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات، فخبر الابتداء محذوف، أو يكون التقدير: فالحكم أن يشهد أحدهم أربع شهادات، فـ (شهادة) على هذا خبر ابتداء محذوف.

ويجوز أن ينتصب {أربع} انتصاب المصدر، ويكون قوله: إنه لمن الصادقين جملة مفعولا بها، والناصب لها: {فشهادة} ; والتقدير: فأن يشهد أحدهم إنه لمن الصادقين، و (الشهادة) بمنزلة العلم، فتتعلق بها (إن) ، والباء في {بالله} على هذا متعلقة بـ (شهادة) ، أو بـ {شهادات} ; على تقدير إعمال الفعل الثاني; لأن {شهادات} أقرب إلى الباء، وعلى تقدير إعمال الأول تكون الباء متعلقة بـ (شهادة) .

[ ص: 531 ] ولا يكون في {أربع} من قوله: أن تشهد أربع شهادات إلا النصب بـ {تشهد} ، و {أن} في موضع رفع {يدرؤا} ، والباء في {بالله} متعلقة بـ {شهادات} .

وقوله: والخامسة أن غضب الله : لا خلاف بين القراء في رفع {والخامسة} ههنا، ورفعها في قراءة من رفع أربع شهادات على العطف على {أربع} ، وفي قراءة من نصب على العطف على المعنى; لأن قوله: فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله معناه: فعليهم أربع شهادات، فعطف {والخامسة} على المعنى، ولو قرئ بنصبها على العطف على {أربع شهادات} لمن نصب; لجاز، ويجوز أيضا نصبها في قراءة من رفع {أربع شهادات} بإضمار فعل يدل عليه ما قبله.

فأما {والخامسة} الثانية; فنصبها على العطف على {أربع} ، أو على إضمار فعل; التقدير: وتشهد الخامسة، والرفع على الابتداء.

والقول في أن لعنت الله عليه ، و أن غضب الله ظاهر.

[ ص: 532 ] ومن خفف ورفع; فـ{أن} مخففة من الشديدة، والحديث مضمر، وكذلك كل (أن) مخففة مفتوحة إذا كان بعدها اسم; لأنها موصولة، والموصول يتشبث بصلته أكثر من تشبث غير الموصول بما يتصل به، فأضمر فيها; ليدلوا على شدة اتصالها، فإن كانت مكسورة; لم يضمر فيها; لأنها غير موصولة.

ومن قرأ: {أن غضب الله}; فإنما وليها الفعل، وهم يستقبحون أن يليها الفعل إذا خففت حتى يفصل بينهما بشيء; نحو: أن سيكون منكم مرضى [المزمل: 20]، وشبهه; لأن {غضب الله} يراد به الدعاء، فلم يصح أن يفصل بينهما، ومثله: نودي أن بورك من في النار ومن حولها [النمل: 8].

ولا يصلح أن تكون الناصبة للفعل; لأنها قد وقعت بعد (الشهادة) ، و (الشهادة) بمنزلة العلم، والعلم لا يقع بعده إلا الشديدة.

ولا يصح أن تكون بمعنى: (أي) ; للعبارة; لأنها إنما تأتى بعد كلام تام، وليست {الخامسة} كلاما تاما.

ولا يصلح أن تكون زائدة; كزيادتها في (كأن) من قوله: [من الطويل] [ ص: 533 ]

..................... كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم

لأن المعنى: والخامسة أن الحال كذا; والدليل على ذلك قراءة من شدد ونصب.

وقوله: عصبة منكم : خبر {إن} ، ويجوز نصبها على الحال، ويكون الخبر لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم .

ومن ضم الكاف من {كبره} ; أراد: عظمه، ومن كسرها; أراد: وزره وإثمه.

ومن قرأ: {ولا يتأتل} ; فهو (يتفعل) ، من (الألية) ، وتقدم القول في قراءة من قرأ: {ولا يأتل}.

ومن قرأ: {يوفيهم الله دينهم الحق}; بالرفع، جعله وصفا لاسم الله عز وجل، ومن نصب; جعله وصفا لـ (الدين) .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية