التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير :

قوله تعالى : إنا فتحنا لك فتحا مبينا : قيل : نزلت حين قالت اليهود لما سمعت وما أدري ما يفعل بي ولا بكم [الأحقاف : 9 ]- : كيف نتبع من لا يدري ما يفعل به ؟

مجاهد : المعنى : قضينا لك قضاء مبينا .

و (الفتح ) ههنا : فتح الحديبية ، عن ابن عباس وغيره .

[ ص: 168 ] الطبري : هو الهدنة التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين بالحديبية .

وقوله : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك أي : قبل النبوة ، وما تأخر : بعد النبوة ، قاله مجاهد .

وقيل : المعنى : إنا فتحنا لك باجتناب الكبائر ؛ ليغفر لك الله الصغائر .

وقوله : وينصرك الله نصرا عزيزا أي : لا يتبعه ذل .

وقوله : هو الذي أنـزل السكينة في قلوب المؤمنين يعني : السكون والطمأنينة .

وقوله : الظانين بالله ظن السوء يعني : ظنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرجع ؛ كما قال تعالى : بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا [الفتح : 12 ] وقوله : لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه أي : تعظموه ، وتفخموه ، قتادة : تنصروه ، والهاء في {توقروه} للنبي صلى الله عليه وسلم ، وفي {تسبحوه} لله عز وجل ، وقيل : الضمائر كلها لله عز وجل .

وقوله : يد الله فوق أيديهم : قيل : المعنى : يده في الثواب فوق أيديهم في الوفاء ، ويده في المنة عليهم بالهداية فوق أيديهم في الطاعة ، وقيل : المعنى : قوة الله فوق قوتهم .

وقوله : إنما يبايعون الله أي : عقدك البيعة عليهم عقد الله عز وجل .

[ ص: 169 ] وقوله : فمن نكث فإنما ينكث على نفسه يعني : لأنه حرم نفسه الثواب ، وألزمها العقاب .

وقوله : سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا يعني : الذين تخلفوا عن الحديبية ؛ وهم مزينة ، وجهينة ، وأسلم ، وهم الأعراب الذين كانوا حول المدينة ، فجاءوا يسألون الاستغفار واعتقادهم خلاف ظاهرهم ، ففضحهم الله عز وجل .

وقوله : بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول الآية : أي : إنما تخلفتم بسبب ذلك الظن ، وقد اختصرت خبر الحديبية في «الكبير » .

وقوله : سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل :

قال مجاهد : تخلفوا عن الخروج إلى مكة ، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخذ قوما ، ووجه بهم ؛ قالوا : ذرونا نتبعكم .

وقوله : يريدون أن يبدلوا كلام الله :

قيل : هو قوله : فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا [التوبة : 83 ] ، [ ص: 170 ] وأنكر ذلك الطبري ؛ بسبب أن غزوة تبوك كانت بعد فتح خيبر ، وبعد فتح مكة .

وقيل : المعنى : يريدون أن يبدلوا وعد الله الذي وعد بفتح خيبر ، وخص به أهل الحديبية ؛ عوضا من غنائم مكة ؛ إذ رجعوا من الحديبية على صلح ، قاله مجاهد وغيره ، واختاره الطبري .

وقوله : كذلكم قال الله من قبل أي : قبل رجوعنا من الحديبية : إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية خاصة .

وقوله : قل للمخلفين من الأعراب أي : قل لهؤلاء الذين تخلفوا عن الحديبية : ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد : قال ابن جبير : يعني : هوازن ، وثقيف .

عطاء والحسن : فارس والروم .

وقيل : هم بنو حنيفة الذين قاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه على الردة ، وفي [ ص: 171 ] هذا دليل على صحة خلافة أبي بكر رضي الله عنه ؛ لأنه قال : تقاتلونهم أو يسلمون ؛ لأن ذلك ليس لمن تؤخذ منه الجزية .

وقوله : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة يعني : بيعة الرضوان التي كانت في الحديبية ، بايع المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم تحت سمرة على الموت ، وكانوا ألفا وست مئة ، وقيل فيما زاد على الألف : إنه خمس مئة ، وقيل : ثلاث مئة وعن ابن عباس : ألف وخمس مئة وعشرون .

وقوله : وأثابهم فتحا قريبا يعني : فتح خيبر ، [عن ابن أبي ليلى وغيره ، وقيل : هو فتح مكة ] ، وكانت خيبر بين الحديبية ومكة .

وقوله : وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه : [أي : خيبر ، عن مجاهد ، ابن عباس ] : عجل لكم صلح الحديبية .

وقوله : وكف أيدي الناس عنكم : [يعني : أنه كف أيدي المشركين عنكم بالحديبية .

[ ص: 172 ] وقيل : كف أيدي اليهود عن المدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية وخيبر ، وهو اختيار الطبري ؛ لأن كف أيدي المشركين بالحديبية مذكور في قوله : وهو الذي كف أيديهم عنكم [الفتح : 24 ] ابن عباس في وكف أيدي الناس عنكم : يعني : عيينة بن حصن الفزاري ، وعوف بن مالك النصري ، ومن كان معهما ؛ إذ جاءوا لينصروا أهل خيبر ، والنبي صلى الله عليه وسلم محاصر لهم ، فألقى الله عز وجل في قلوبهم الرعب ، وكفهم عن المسلمين .

وقوله : وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها : قال ابن عباس : هي الفتوح التي فتحت للمسلمين ، وعنه أيضا ، وعن الضحاك ، وغيرهما : هي خيبر .

ابن أبي ليلى : فارس والروم .

[ ص: 173 ] مجاهد : هي ما يكون إلى يوم القيامة .

قتادة : هو فتح مكة .

وقوله : ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار : قال قتادة : يعني : كفار قريش في الحديبية .

وقوله : هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله أي : محبوسا عن أن يبلغ مكة .

وقوله : ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم الآية : جواب {لولا} محذوف ؛ والتقدير : ولولا أن تطؤوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم ؛ لأذن الله لكم في دخول مكة ، ولسلطكم عليهم .

ومعنى (المعرة ) : العيب ، وهي (مفعلة ) من (العر ) ؛ وهو الجرب ؛ أي : يقول المشركون : قد قتلوا أهل دينهم .

وقيل : المعنى : يصيبكم من قتلهم ما تلزمكم من أجله كفارة قتل الخطأ .

وقوله : ليدخل الله في رحمته من يشاء أي : لو قتلتموهم ؛ لأدخلهم الله في رحمته .

وقيل : المعنى : لم يأذن الله لكم في قتالهم ؛ ليسلم من قضى له أن يسلم [ ص: 174 ] من أهل مكة .

وقوله : لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما أي : لو زال المؤمنون من بين أظهر الكفار ؛ لعذب الكفار بالسيف .

وقوله : إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية الآية : قال الزهري : حميتهم أنهم لم يقروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يقروا بـ(بسم الله الرحمن الرحيم ) ، وحالوا بين المسلمين وبين البيت ، وكان الذي امتنع من كتاب (بسم الله الرحمن الرحيم ، ومحمد رسول الله ) سهيل بن عمرو ، وقد ذكرت ذلك في «الكبير » .

وقوله : وألزمهم كلمة التقوى : هي (لا إله إلا الله ) ، عن علي رضي الله عنه وغيره ، وقال عطاء ، وزاد : (محمد رسول الله ) .

الزهري : كلمة التقوى : (بسم الله الرحمن الرحيم ) .

مجاهد : هي (لا إله إلا الله وحده ، لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ) .

وكانوا أحق بها وأهلها : لأن الله تعالى اختارهم لدينه .

التالي السابق


الخدمات العلمية