التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
وقوله: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد : هو حبل العاتق، وهو محدود من ناحيتي حلقه إلى عاتقه، وهما وريدان عن يمين وشمال، روي معناه عن ابن عباس وغيره، وهو المعروف في اللغة، وهذا تمثيل للقرب؛ يراد به: القدرة على الإنسان، والعلم بسره، وليس على قرب المسافة.

وقوله: إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد : {قعيد} : بمعنى: قاعد، وقيل: معناه: ثابت، ومنه والقواعد من النساء [النور: 60].

سفيان: بلغني أن كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات، فإذا أذنب العبد؛ قال له: لا تعجل؛ لعله يستغفر الله.

ويروى: أن قلم الملك لسان الإنسان، ومداده ريق الإنسان.

[ ص: 206 ] والتقدير عند سيبويه: عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، فحذف الأول؛ لدلالة الثاني عليه.

ومذهب المبرد: أن الذي في التلاوة للأول، أخر اتساعا، وحذف الثاني لدلالة الأول عليه.

ومذهب الأخفش والفراء: أن الذي في التلاوة يؤدي عن الاثنين والجمع، ولا حذف في الكلام.

وقوله: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد أي: ما يلفظ بكلام إلا كتب عليه.

وقوله: وجاءت سكرة الموت بالحق أي: بالحق من أمر الآخرة، وكذلك معنى قراءة من قرأ: {سكرة الحق بالموت} ، ويجوز أن يكون {الحق} على هذه القراءة هو الله تعالى؛ [أي: جاءت سكرة أمر الله تعالى بالموت]، وقيل: {الحق} : هو الموت؛ والمعنى: جاء سكرة الموت بالموت.

ومعنى {تحيد} : تروغ وتهرب وقوله: وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد : قال ابن عباس: (السائق) من [ ص: 207 ] الملائكة، و(الشهيد) : من نفسه.

مجاهد: (السائق والشاهد) : ملكان.

الضحاك: (السائق) : ملك، و(الشاهد) : الأيدي والأرجل.

الحسن، وقتادة، وغيرهما: المعنى: سائق يسوقها إلى أمر الله عز وجل، وشاهد يشهد عليها بعملها.

وقوله: لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك قال ابن زيد: المراد بها: النبي عليه الصلاة والسلام، و(الكشف) على هذا في الدنيا، وعن ابن عباس والضحاك: أن المراد بها المشركون، وقال أكثر المفسرين: إن المراد به البر والفاجر، وهو اختيار الطبري.

وقوله: فبصرك اليوم حديد : قيل: يراد به: بصر القلب؛ كما يقال: هو يصير بالفقه وغيره، وقيل: المراد به: بصر العين؛ والمعنى: حديد إلى الميزان.

الضحاك: معنى {حديد} : شديد.

وقوله: وقال قرينه هذا ما لدي عتيد : الضحاك: {قرينه} : الملك الذي وكل به؛ والمعنى: هذا ما كتبت عليك عندي حاضر، وقيل: المعنى: هذا ما عندي [ ص: 208 ] من العذاب حاضر، وقيل: {قرينه} : شيطانه، فـ {عتيد} - على هذا القول وعلى القول الذي قبله- بمعنى: معد.

وقوله: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد : قيل: إن هذا من قول الله عز وجل يخاطب به الملكين.

وقيل: هو مخاطبة للسائق والحافظ.

وقيل: جاء على لفظ التثنية؛ لأن أقل أعوان من له حال وشرف اثنان، فخوطبوا على ما عهدوه.

وقيل: جاء كذلك؛ لأن (القرين) يقع للجماعة والاثنين.

وقيل: هو ما جاء عن العرب من مخاطبة الواحد بلفظ التثنية]، ومثله قول الشاعر: [من الطويل]

خليلي مرا بي على أم جندب .....................

ثم قال:


ألم تر أني كلما جئت طارقا      .....................

[ ص: 209 ] المازني: قوله: {ألقيا} : يدل على (ألق، ألق) .

وقيل: إن الأصل: (ألقين) ؛ بالنون الخفيفة، وهي تقلب في الوقف ألفا، فحمل الوصل على الوقف.

و(العنيد) و(المعاند) سواء، النخعي: هو المناكب للحق.

مناع للخير : قيل: يعني: الزكاة المفروضة، {معتد} : في الباطل، {مريب} : شاك، وهذا للمشرك؛ يدل عليه قوله: الذي جعل مع الله إلها آخر .

وقوله: قال قرينه ربنا ما أطغيته يعني: أنه تبرأ منه، وأكذبه، وقال: لم أجبره، وإنما دعوته فاستجاب لي، و {قرينه} ههنا: شيطانه، بغير اختلاف.

وقوله: قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد : هذا خطاب لكل من اختصم، وقيل: هو للاثنين، جاء بلفظ الجمع.

وقوله: ما يبدل القول لدي : قيل: هو قوله: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها [الأنعام: 160]، وقيل: هو قوله: لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [هود: 119].

وقوله: يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد : يقول لها: هل امتلأت؟ لأنه قد تقدم وعده ليملأنها، ومعنى السؤال منه عز وجل: التوبيخ لمن في النار.

ومعنى قول النار: هل من مزيد مختلف فيه؛ قال مجاهد: المعنى: هل في [ ص: 210 ] من مسلك؟! قد امتلأت؛ كما قال: [من الرجز]

امتلأ الحوض وقال قطني

وقيل: المعنى: زدني، تقول ذلك تغيظا على أهلها.

وقوله: وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد أي: قربت من قلوبهم حين قيل لهم: اجتنبوا المعاصي، وادخلوها.

وقوله: هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ : تقدم القول في (الأواب) .

قال ابن عباس في {حفيظ} : حفظ ذنوبه حتى رجع عنها.

وتقدم القول في مثل: من خشي الرحمن بالغيب .

وجاء بقلب منيب أي: تائب، راجع إلى الله عز وجل.

وقوله: لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد : قيل: هو النظر إلى الله عز وجل.

وقوله: فنقبوا في البلاد : قال ابن عباس: أي: أثروا، وقيل: طوفوا في البلاد يلتمسون محيصا من الموت.

وقوله: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب : قال قتادة ومجاهد: من هذه الأمة؛ والمعنى: لمن كان له قلب حي يعقل به، فكنى عن العقل بالقلب؛ لأنه محله.

[ ص: 211 ] أو ألقى السمع وهو شهيد : قال مجاهد وقتادة: هذا لأهل الكتاب.

قال سفيان: أي: لا يكون حاضرا وقلبه غائب.

وقوله: يوم يناد المناد من مكان قريب : [قال قتادة: من صخرة بيت المقدس، ومعنى] {قريب} : يسمعه كل أحد.

يوم يسمعون الصيحة بالحق يعني: صيحة البعث؛ ومعنى {بالحق} : بالاجتماع إلى الحساب.

ذلك يوم الخروج أي: يوم الخروج من القبور.

وقوله: وما أنت عليهم بجبار : قال مجاهد: بمتجبر، وقيل: بمصيطر، وقيل: المعنى: لست تجبرهم على الطاعة، فتكون الآية منسوخة.

التالي السابق


الخدمات العلمية