التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير :

تقدم خبر الجن في (الأحقاف) [29- 32] .

وقوله تعالى : وأنه تعالى جد ربنا أي : عظمته ، عن مجاهد وعكرمة وغيرهما ، وعن مجاهد أيضا : ذكره ، وعن أنس بن مالك : غناه .

الطبري : قال بعض أهل التأويل : جهل الجن فيما قالوه .

وقوله : وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا يعنون : إبليس ، عن ابن جريج ، و (الشطط) : الغلو في الكفر .

وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا أي : ظننا أن لن يكذب على الله أحد .

وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن هذا من قول الله تعالى في قراءة من [ ص: 496 ] كسر الهمزة ، وهو من قول الجن في قراءة من فتحها؛ والمراد به : ما كانوا يفعلونه من قول الرجل إذا نزل بواد : أعوذ بسيد هذا الوادي- أو بأهله- من شر ما فيه .

وقوله : فزادوهم رهقا : قال النخعي : أي : ازدادوا عليهم جرأة .

ابن زيد ، وغيره : ازداد الإنس بهذا فرقا من الجن .

مجاهد : ازدادوا سفها ، وظلما ، وطغيانا؛ يعني : الإنس .

قتادة : ازدادوا خطيئة .

وقيل : ازدادوا غشيانا للمحارم ، وأصل (الرهق) في اللغة : العيب؛ يقال : (فلان يرهق بكذا) ؛ أي : يعاب به .

وقوله : وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا : هذا من قول الله عز وجل للإنس؛ أي : وإن الجن ظنوا أن لن يبعث الله الخلق ، كما ظننتم .

الكلبي : المعنى : ظنت الجن كما ظنت الإنس أن لن يبعث الله رسولا .

وقوله : وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا أي : طلبنا خبرها ، كما جرت [ ص: 497 ] به عادتنا ، فوجدناها قد زيد في حرسها ، وهذا من قول الجن .

وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا أي : قد أرصد له .

وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أي : بهذا الحرس الذي حرست [به] السماء ، أم أراد بهم ربهم رشدا : قال ابن زيد : قال إبليس : لا أدري هل أراد الله بهذا المنع أن ينزل على أهل الأرض عذابا أو يرسل إليهم رسولا؟

وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك : هذا من قول الجن؛ والمعنى : ومن دون الصالحين في الصلاح .

وقوله : كنا طرائق قددا أي : أهواء مختلفة ، و (القدد) : الضروب والأجناس المختلفة ، وواحد {طرائق} : (طريقة) ؛ والمعنى : كنا ذوي طرائق ، وواحد (قدد) : (قدة) .

وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض أي : أيقنا أنا لا نفوته بهرب ، ولا غيره .

فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا أي : نقصانا ، {رهقا} أي : ظلما .

قال ابن عباس : لا يخاف أن ينقص من حسناته ، ولا أن يزاد في سيئاته .

[ ص: 498 ] وقوله : ومنا القاسطون أي : الجائرون .

وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه : هذا من قول الله تعالى ، قيل : معناه : لو استقاموا على طريقة الحق؛ لوسعنا عليهم في الرزق ، روي معناه عن مجاهد وغيره .

الضحاك : المعنى : لو أقاموا على طريقة الكفر؛ لوسعنا عليهم في الرزق؛ استدراجا لهم .

مجاهد : معنى قوله : لأسقيناهم ماء غدقا : لأعطيناهم مالا كثيرا .

[ابن جبير : ماء كثيرا] .

لنفتنهم فيه أي : لنختبرهم ، فنعلم شكرهم وكفرهم علم شهادة .

وقوله : ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا : قال ابن عباس : (الصعد) : جبل في النار ، [وعنه أيضا : أن المعنى : مشقة من العذاب ، وذلك معلوم في اللغة : أن (الصعد) : المشقة .

الخدري : هو جبل في النار] ، كلما جعلوا أيديهم عليه؛ ذابت .

[ ص: 499 ] وأن المساجد لله : قيل : هو مردود إلى : قل أوحي إلي ؛ أي : وأوحي إلي أن المساجد لله ، وقيل : معناه : ولأن المساجد لله؛ فلا تدعوا مع الله أحدا .

ويجوز أن تكون {المساجد} جمع (مسجد) ؛ ويراد بـ (المسجد) : السجود ، ويجوز أن تكون {المساجد} التي يصلى فيها .

وقال بعض المفسرين : إنها الآراب التي يسجد عليها ، وهو بعيد .

وقوله : وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا : يجوز أن يكون هذا من قول الله عز وجل ، ويجوز أن يكون إخبارا عن الجن .

و عبد الله : يراد به : محمد صلى الله عليه وسلم .

ومعنى كادوا يكونون عليه لبدا أي : اجتمعوا عليه؛ ليسمعوا قراءته .

قال مجاهد : معنى قوله : {لبدا} : جماعات ، وهو من (تلبد الشيء على الشيء) ؛ أي : تجمع .

ابن عباس : {لبدا} : أعوانا .

وقيل : المعنى : كاد المشركون يركب بعضهم بعضا؛ حردا على النبي صلى الله عليه وسلم .

واختار الطبري أن يكون المعنى : كادت العرب يجتمعون على النبي [ ص: 500 ] عليه الصلاة والسلام ، ويتظاهرون على إطفاء النور الذي جاء به ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا .

وقوله : قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا أي : ملجأ ألجأ إليه .

إلا بلاغا من الله ورسالاته : هذا مردود إلى قوله : قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ؛ أي : لا أملك لكم إلا أن أبلغكم .

وقوله : قل إن أدري أقريب ما توعدون الآية : يعني : قيام الساعة .

وقوله : فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول أي : فإنه يظهره على ما شاء من غيبه .

فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا أي : ملائكة يحفظونه .

قتادة : إذا بعث الملك إلى النبي؛ بعث معه ملائكة يحفظونه من بين يديه ، ومن خلفه؛ لئلا يتشبه له الشيطان في صورة الملك ، روي معناه عن ابن عباس .

وقوله : ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم أي : ليعلم الرسول أن الرسل قد بلغت الرسالة ، وحفظوا .

[ ص: 501 ] مجاهد : المعنى : ليعلم من كذب ذلك أن الرسل قد بلغت رسالات ربها ، وحفظت من استراق السمع .

وقيل : المعنى : ليعلم الله ذلك علم شهادة .

وأحاط بما لديهم ؛ أي : أحاط علمه بما عندهم؛ أي : بما عند الرسل قبل محمد .

ابن جبير : المعنى : ليعلم الرسل أن ربهم قد أحاط بما لديهم؛ فيبلغوا رسالاته .

وقوله : وأحصى كل شيء عددا أي : أحاط بعدد كل شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية