التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
التفسير :

لا أقسم بيوم القيامة : قيل : إن {لا} صلة ، وجاز وقوعها في أول السورة؛ [ ص: 534 ] لأن القرآن متصل بعضه ببعض ، فهو في حكم كلام واحد ، وقيل : هي رد لكلام تقدم في سورة أخرى .

ومن قرأ : لا أقسم ؛ فهو على ما تقدم من دخول اللام على فعل الحال .

و (النفس اللوامة) : المذمومة ، عن ابن عباس .

مجاهد : هي التي تلوم صاحبها ندما على ما فات .

الحسن : هي نفس المؤمن ، تقول لصاحبها : لم أكلت؟ لم فعلت؟ والكافر لا يعاتب نفسه ، يمر قدما قدما في الذنوب .

سعيد بن جبير : المعنى : اللوامة في الخير والشر؛ يعني : قلة صبرها .

وليست {لا} في قوله : ولا أقسم بالنفس اللوامة زائدة .

وقوله : أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه أي : لا نبعثه .

بلى قادرين أي : بلى لنجمعنها قادرين على أن نسوي بنانه : قال ابن عباس : أن نجعل رجله كخف البعير ، وحافر الدابة ، وقيل : المعنى : نقدر على أن نسوي السلاميات بالبنان ، وقيل : المعنى نعيد بنانه إلى ما كانت؛ يعني : بالبعث .

وقوله : بل يريد الإنسان ليفجر أمامه : قال ابن عباس : يعني : الكافر ، يريد ليكفر بيوم الحساب ، ابن جبير : المعنى : يسوف بالتوبة ، يقول : أذنب ، ثم أتوب ، الضحاك :

[ ص: 535 ] يركب رأسه في طلب الدنيا دائبا ، فالهاء على هذه الأقوال للإنسان ، وقيل : الهاء لـ (يوم القيامة) ؛ والمعنى : بل يريد الإنسان ليكفر بالحق بين يدي يوم القيامة ، و (الفجور) أصله : الميل عن الحق .

وقوله : يسأل أيان يوم القيامة أي : متى يوم القيامة؟

وقوله : فإذا برق البصر : قال مجاهد وغيره : هذا عند الموت ، وقال الحسن وغيره : هذا يوم القيامة ، قال : وفيه معنى الجواب عما سأل عنه الإنسان؛ كأنه قال : يوم القيامة إذا برق البصر ، وخسف القمر .

قال أبو عمرو : {برق} بالكسر : تحير .

الفراء : يفتح عينيه ، فتبرق؛ لشدة ما يعاين من الأموال ، (برق البصر يبرق برقا) ؛ إذا لمع ، وقيل : إن كسر الراء وفتحها لغتان بمعنى .

ومعنى وخسف القمر : ذهب ضوءه .

وجمع الشمس والقمر أي : كورا ، عن مجاهد .

عطاء بن يسار : يجمع الشمس والقمر يوم القيامة ، فيرمى بهما في البحر ، فيصير نارا .

وقيل : المعنى : جمع بين الشمس والقمر في ذهاب الضوء ، فلم يكن لواحد منهما نور؛ ولذلك قال : {وجمع} ، ولم يقل : (جمعت) ؛ حملا على معنى (بين) .

[ ص: 536 ] وقيل : هو على تغليب المذكر .

الكسائي : هو محمول على المعنى؛ كأنه قال : جمع الضوءان .

المبرد : التأنيث غير حقيقي .

ومعنى : أين المفر : أين الفرار؟

{كلا} أي : ليس ثم يومئذ فرار .

لا وزر : قال ابن عباس ، ومجاهد : أي : لا ملجأ ، مطرف : لا جبل ، ابن جبير : لا محيص ، ولا منعة ، و (الوزر) في اللغة : ما يلجأ إليه من حصن ، أو جبل ، أو غيرهما .

وقوله : إلى ربك يومئذ المستقر أي : هو يقر خلقه مقرهم يوم القيامة .

وقوله : ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر : قال ابن عباس : أي : بما قدم من المعصية ، وأخر من الطاعة ، وعنه أيضا : بما قدم قبل موته ، وأخر من سنة يعمل بها من بعده .

مجاهد ، والنخعي : ينبأ بأول عمله وآخره .

ابن زيد : ينبأ بما أخذ ، وما ترك .

وقوله : بل الإنسان على نفسه بصيرة أي : شاهد ، عن ابن عباس ، وهو شهود جوارحه عليه ، وقيل : يراد به : الكاتبان ، يدل عليه قوله : ولو ألقى معاذيره ، في [ ص: 537 ] من جعل (المعاذير) الستور ، وهو قول السدي .

الزجاج : واحد (المعاذير) : (معذار) .

وقال ابن عباس : المعنى : ولو اعتذر؛ فعليه شاهد يكذبه ، وعنه أيضا : ولو تجرد من ثيابه .

الحسن : المعنى : ولو اعتذر؛ لم تقبل منه معذرته .

وقوله : لا تحرك به لسانك لتعجل به : قال ابن عباس : كان النبي عليه الصلاة والسلام يلقى من التنزيل شدة ، فيحرك به شفتيه؛ خشية أن ينفلت منه ، فأعلمه الله أن عليه جمعه في صدره .

وعن ابن عباس أيضا ، وغيره : أنه كان يحرك به لسانه؛ لحبه إياه .

وعن ابن عباس أيضا : أن المعنى : لا تتكلم بما أوحي إليك حتى يقضى إليك وحيه .

ومعنى {وقرآنه} : وأن تقرأه .

وقوله : فإذا قرأناه أي : أنزلناه إليك ، عن ابن عباس ، وعنه أيضا : فإذا [ ص: 538 ] تلي عليك ، فاتبع ما فيه ، وقيل : المعنى : فأنصت ، واستمع .

وقوله : ثم إن علينا بيانه أي : علينا أن نبينه بلسانك ، وقيل : بيان ما فيه من الحلال والحرام .

وعن قتادة : أن المعنى : إن علينا جمعه في صدرك ، {وقرآنه} ؛ أي : تأليفه على ما نزل عليك .

وقوله : وجوه يومئذ ناضرة يعني : نضرة النعيم ، وهو إشراقها ، وقال أبو صالح : حسنة ، مجاهد : مسرورة ، الحسن : بهجة ، ابن زيد : ناعمة ، وكله يرجع إلى معنى واحد .

وقوله : إلى ربها ناظرة : هذا تصريح بأن الأبرار يرون الله عز وجل في الآخرة ، وقد تقدم ذلك في (سورة الأنعام) [103] .

وقوله : ووجوه يومئذ باسرة أي : عابسة مقطبة .

تظن أن يفعل بها فاقرة : معنى : {تظن} : توقن ، و (الفاقرة) : الداهية ، عن مجاهد وغيره ، وحقيقتها : التي تكسر فقار الظهر .

ابن زيد : يعني به : دخول النار .

وقوله : كلا إذا بلغت التراقي أي : حقا إذا بلغت النفس التراقي؛ وهو مقدم الحلق من أعلى الصدر ، وهو موضع الحشرجة .

[ ص: 539 ] وقيل من راق : هو من الرقية ، عن ابن عباس ، وقتادة ، وغيرهما؛ والمعنى : من يرقيه؟ وروي عن ابن عباس أيضا ، وأبي الجوزاء : أنه من (رقى يرقى) ؛ إذا صعد؛ والمعنى : من يرقى بروحه إلى السماء؟ أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟

وظن أنه الفراق أي : أيقن الإنسان أنه الفراق؛ أي : فراق الدنيا ، والأهل ، والمال ، والولد .

وقوله : والتفت الساق بالساق قال ابن عباس [وغيره : يعني : شدة أمر الآخرة بأمر الدنيا ، وكذلك قال الحسن : المعنى : حال الموت بحال الحياة .

الشعبي وغيره] : المعنى : التفت ساقا الإنسان عند الموت من شدة الكرب ، وعن الحسن : التفت ساقاه في الكفن .

الضحاك : اجتمع عليه أمران : الملائكة يجهزون روحه ، والناس يجهزون جسده .

وقوله : إلى ربك يومئذ المساق أي : إليه يساق الميت .

وقوله : فلا صدق ولا صلى أي : فلا صدق بربه ، ولا صلى له ، عن قتادة ، وقال الحسن : فلا تصدق ، ولا صلى .

[وقوله : ثم ذهب إلى أهله يتمطى : قال مجاهد ، وقتادة : يتبختر] .

مجاهد : المراد به : أبو جهل .

[ ص: 540 ] وقيل : إن {يتمطى} من (المطا) ؛ وهو الظهر؛ والمعنى : يلوي مطاه .

وقيل : أصله : (يتمطط) ، وهو التمدد من الكسل والتثاقل؛ أي : فهو يتثاقل عن الداعي إلى الحق ، فأبدل من الطاء ياء؛ كراهة التضعيف .

وقوله : أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى : قال قتادة : هو وعيد على وعيد ، وقال : أقبل أبو جهل يتبختر ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده ، وقال : أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ، فقال : ما تستطيع أنت ولا ربك في شيئا ، إني لأعز من بين جبليها ، فضرب الله عنقه يوم بدر .

قال ابن عباس : قال له النبي عليه الصلاة والسلام ذلك قبل أن ينزل به القرآن ، ثم نزل به القرآن .

وقيل : إن المعنى : الذم .

أولى لك : من غيره ، فحذف؛ لكثرة الاستعمال ، وحذف الخبر بعد (أولى) الثانية؛ كما حذف في قولك : (زيد منطلق وعمرو) ، ولا يكون {أولى} (أفعل [ ص: 541 ] منك) ، ويكون خبر مبتدأ محذوف؛ كأنه قال : الوعيد أولى له من غيره؛ لأن أبا زيد قد حكى : (أولاة الآن) ؛ إذا أوعدوا ، فدخول علامة التأنيث دليل على أنه ليس كذلك ، و {لك} : خبر عن {أولى} ، ولم ينصرف {أولى} ؛ لأنه صار علما للوعيد ، فصار كرجل اسمه (أحمد) .

وقيل : التكرير فيه على معنى : الذم لك على عملك السيئ الأول ، ثم على الثاني ، ثم على الثالث ، وكلما تكرر ذلك منه .

والعرب تقول : (أولى له) ؛ أي : كاد يهلك ، ثم أفلت ، فكأن التقدير : أولى له الهلكة .

وقيل : معناه : وليه المكروه والشر .

أيحسب الإنسان أن يترك سدى أي : مهملا لا يؤمر ، ولا ينهى ، عن ابن عباس .

التالي السابق


الخدمات العلمية