السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
5115 [ ص: 389 ] (باب سؤال الملكين للعبد إذا وضع في قبره)

وهو في النووي في الباب المتقدم.

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم، النووي ص 203 ج17 المطبعة المصرية

[عن قتادة حدثنا أنس بن مالك قال قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم".

قال: "يأتيه ملكان فيقعدانه، فيقولان له: "ما كنت تقول في هذا الرجل؟" قال: "فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله".

قال: "فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة".

قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "فيراهما جميعا".


قال قتادة: وذكر لنا، أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعا، ويملأ عليه خضرا، إلى يوم يبعثون .]


(الشرح)

(عن أنس بن مالك) رضي الله عنه، (قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم".) [ ص: 390 ] قرع النعال وخفقها: هو ضربها الأرض، وصوتها فيها.

فيه: إثبات سماع الموتى.

وفي حديث آخر عنه، في قصة قتلى بدر، قال: "والذي نفسي بيده! ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا".

قال المازري: قال بعض الناس: الميت يسمع، عملا بظاهر هذا الحديث.

ثم أنكره المازري، وادعى أن هذا خاص في هؤلاء.

ورد عليه عياض، وقال: يحمل سماعهم على ما يحمل عليه سماع الموتى، في أحاديث عذاب القبر وفتنته، التي لا مدفع لها.

وذلك بإحيائهم، أو إحياء جزء منهم، يعقلون به ويسمعون في الوقت الذي يريد الله.

قال النووي : هذا كلام القاضي. وهو الظاهر المختار، الذي يقتضيه أحاديث السلام على القبور. والله أعلم. انتهى.

وأقول: أنكر الحنفية ومن وافقهم: سماع الأموات. وأثبته الشافعية، والمالكية، والحنابلة.

والأحاديث وردت بالسماع، ولم يرد حديث مرفوع في نفي السماع منهم، فلا وجه لإنكاره.

وغاية ما جاءوا به، من الأدلة الدالة على نفي السماع: أن السماع مقصور على مورده، ولا يعم جميع الأزمان والأوقات.

[ ص: 391 ] وبهذا قال الشوكاني، في تفسيره: "فتح القدير".

وبذلك يحصل الجمع بين الأدلة، وهو الراجح المختار.

(قال: يأتيه ملكان، فيقعدانه) . يحتمل: أن يكون هذا الإقعاد مختصا بالمقبور، دون المنبوذ ومن أكلته السبع والحيتان.

(فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟) يعني: النبي صلى الله عليه وسلم.

وإنما يقوله بهذه العبارة، التي ليس فيها تعظيم: امتحانا للمسئول، لئلا يتلقن تعظيمه من عبارة السائل، ثم يثبت الله الذين آمنوا.

ويوضحه: ما في حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم في كتاب الكسوف: (وإنه قد أوحي إلي: أنكم تفتنون في القبور، قريبا "أو مثل" فتنة المسيح الدجال. "لا أدري: أي ذلك قالت أسماء؟" فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن، أو "الموقن" "لا أدري: أي ذلك قالت أسماء؟" فيقول: هو محمد، هو رسول الله "صلى الله عليه وسلم" جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وأطعنا -ثلاث مرار- [ ص: 392 ] فيقال له: نم. قد كنا نعلم، إنك لتؤمن به، فنم صالحا.

وأما المنافق "أو المرتاب"، "لا أدري: أي ذلك قالت أسماء؟" فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا، فقلت)
.

قال النووي : إنما يقول له الملكان السائلان: ما علمك بهذا الرجل؟ ولا يقولان: " رسول الله ": امتحانا له وإغرابا عليه، لئلا يتلقن منهما إكرام النبي صلى الله عليه وسلم، ورفع مرتبته، فيعظمه هو تقليدا لهما، لا اعتقادا.

ولهذا يقول المؤمن: هو رسول الله. ويقول المنافق: لا أدري.

فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، في الحياة الدنيا وفي الآخرة. انتهى.

وفيه: أن التقليد لا ينفع، وإنما ينفع الاعتقاد الصحيح.

(قال: فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله) صلى الله عليه وسلم.

(قال: فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة. قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعا. قال قتادة: وذكر لنا، [ ص: 393 ] أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعا، ويملأ عليه خضرا، إلى يوم يبعثون) .

"الخضر" بوجهين، أصحهما: بفتح الخاء وكسر الضاد. والثاني: بضم الخاء وفتح الضاد. والأول أشهر.

والمعنى: يملأ نعمة غضة ناعمة. وأصله من خضرة الشجر. هكذا فسروه.

قال عياض : يحتمل: أن يكون هذا الفن له على ظاهره، وأنه يرفع عن بصره ما يجاوره من الحجب الكثيفة، بحيث لا تناله ظلمة القبر ولا ضيقه، إذا ردت إليه روحه.

قال: ويحتمل: أن يكون على ضرب المثل والاستعارة، للرحمة والنعيم.

كما يقال: " سقى الله ثراه ".

قال النووي : والاحتمال الأول: أصح.

قلت: وهو الصحيح المختار؛ لأن أحوال البرزخ، تجري على ظاهرها، ولا يمشي فيها التأويل.

التالي السابق


الخدمات العلمية